الرئيسية
أحدث الصور
حوار اجتماعي
تبدأ اليوم على الساعة العاشرة صباحا جولة من جولات الحوار الاجتماعي بين النقابات والحكومة. وسيحضر الوزير الأول، والوزراء المعنيون بالملف الاجتماعي والمالي المغربي.
السياق الذي تنطلق فيه هذه الجولات ليس سياقا عاديا. إذ أعلنت الكثير من النقابات، منفردة أو بعد تنسيق بينها، الدخول في معارك اجتماعية.
فقد دخلت أربع نقابات تعليمية طور التنسيق، وحددت يوم 29 أكتوبر تاريخا لخوض إضراب اعتبرته إنذاريا. ويأتي الإضراب في الوقت الذي يعيش فيه القطاع على إيقاع العديد من الاحتجاجات، في العديد من المدن، سواء من أجل الرد على المذكرة 122 أو من أجل الاحتجاج على شروط الدخول والخصاص المدرسي الخ.
وفي نفس اليوم، يشن موظفو المالية، بدعوة من الفيدرالية، إضرابا وطنيا، تعددت أسبابه، لكنه لا يختلف في السياق عن إضرابات البلديات مثلا، لأنه يتزامن مع هذه الحركية الاجتماعية التي أعطت للدخول الاجتماعي نكهة خاصة.
الوزراء أنفسهم أصيبوا بالعدوى النقابية، ولجأوا إلى الأسلوب ذاته عند مناقشة بنود قانون المالية للسنة الحالية، فقد وجدوا ذواتهم في وضعية «احتجاجية» وهم يستعرضون الميزانيات القطاعية. بعضهم أبدى بالفعل ملاحظات في العمق تخص الميزانية مقارنة مع المتطلبات الاجتماعية أو الاصلاحية التي يطرحها. وكان نصيب العدل والداخلية والتعليم والصحة من الاحتجاج أكثر من غيره، نظرا للأجندة التي يعرضها كل مسؤول من المسؤولين المذكورين. فالصحة تتطلب الاستجابة للمطالب القطاعية والخصاص والتغطية الصحية وتكاليف كل ذلك، العدل يجد نفسه أمام الإصلاح العميق والجوهري، مع ما يترتب عن ذلك من ملفات اجتماعية تهم كل مستويات الوظيفة أو المسؤولية، الأمن نفس الشيء، أما التعليم فقد رأى المسؤولون عنه أن نسبة الخصاص، وتراكم المشاكل وظروف الارتقاء كلها تفرض مراجعة باتجاه الرفع في الميزانية القطاعية..
وفي عز كل هذه الظروف يجلس النقابيون وجها لوجه أمام الحكومة، وجزء منهم كبير يعتقد بأن الطريقة التي يدار بها الحوار غير منتجة، إن لم يقولوا صراحة أنها تمطيطية.
وكانت النقابات في السابق تجتمع مع الوزراء المعنيين، بعد اللقاء الأول التدشيني مع الوزير الأول، ثم تتوصل إلى نتائج تستجيب، بهذا القدر أو ذاك، لمطالبها، إلا أن هذه المنهجية تغيرت منذ سنتين وأصبح الاجتماع يتم أولا مع اللجن المختصة في كل قطاع على حدة. وهو ما يعطل الوصول الى الحلول، حسب الفريق الاجتماعي. فالمسؤول الذي يمثل القطاع الوزاري، في الغالب ما يتحجج بأنه غير مخول له باتخاذ القرارات أو أنه في اللحظة الحاسمة يطلب وقتا ميتا من أجل المشاورات والرجوع إلى أهل القرار. وهو ما يعتبره النقابيون مضيعة للوقت ومحاولة لربحه..(ولعلها إحدى المرات القليلة في الحياة الدنيا التي نربح فيها الوقت بتضييعه أو العكس!)..
وما دام الشيء بالشيء يذكر، فقد قيل دوما بأن ( اللي بغا يقضي على شي حاجة يدير ليها لجنة). ولطالما كانت اللجنة تجتمع لسنوات لكي تتوصل إلى نتيجة ما، وقتها إما تكون المعطيات تغيرت، وإما يأتي من يقول لك بأن كل ما تم الاتفاق عليه يسير في الاتجاه غير الصحيح .
نزعة الاجتماعات اللامنتهية قد أصبحت في حالة البلاد حالة قارة، وتكاد تكون أرضة تأكل القدرات على الحركة والفعل. حتى أن خلق لجن التفكير والتأمل والدراسة.. أصبحت مؤسسة وطنية بامتياز، مما يشل القرار ويكرس البيروقراطية ويعطل الزمن الإصلاحي في الكثير من الأحيان، إن لم توقف الإنتاج الفردي للمعرفة وتكريس المواهب..
وعلى كل، من منا لم يفلت من اتصال ما أو إلحاح برسالة إلكترونية قصيرة تقول لصاحب الاتصال «أنا في اجتماع، سأتصل من بعد».
وقد أصبحت بالفعل رد فعل لا إرادي حتى أن شخصا اتصلت به زوجته، فأجابها أنا الآن في اجتماع، فردت عليه ( اخرج من القهوة، أنا في التيليبوتيك اللي مقابل معاك)!!
يدخل الجهاز التنفيذي الحوار، ووزير المالية قد وجد نفسه بين طلبات الوزراء والوزارات، ومآخذ النقابات، التي اعتبرت أنه فضل عليها رجال الأعمال ونقابتهم، ولم يستشرهم أيضا كما فعل مع الباطرونا.
ولم يساعد والي بنك المغرب وزير المالية والحكومة عندما نبه، في وقت سابق، إلى عدم التجاوب مع مطالب النقابات الخاصة بالزيادات في الأجور. وهو مؤشر لم يكن ليطمئن النقابات ولا الشركاء الآخرين، بالرغم من مبرراته المالية والماكرواقتصادية.
وأصبح من الصعب على عمال البلديات أن يفهموا مثلا، كيف يحرمون من الزيادات، التي لن تصل إلى ما يريدون، في الوقت الذي حصلت الفئات العليا من الديبلوماسيين والسفراء على زيادات مهمة، قد تكون مستحقة ومعللة .. الخ، لكن أن يكون والي بنك المغرب ضد زيادة الأجور في الوقت الذي يكون الحوار الاجتماعي على أشده، لا يمكن أن يسهل الأمور على الفريق الحكومي.
الاتحاد الاشتراكي