حتى لا تغدو الامتحانات المهنية لنساء ورجال التعليم ، فرصة لأداء مسرحية هزيلة
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]
ستخوض الشغيلة التعليمية – بحر الأسبوع الحالي - غمار الامتحانات المهنية لهذه السنة وسط ظروف خاصة تتميز بإشراف الميثاق الوطني للتربية والتكوين على نهايته ، وما صاحب ذلك من قراءات مختلفة حول عدم تحقق أهدافه، مما أفضى إلى الاعتراف الرسمي بفشل المنظومة التربوية المغربية و ضرورة مراجعة ركائزها ،والخروج بمخطط استعجالي يروم إصلاح ما يمكن إصلاحه وفق تصورات قد نتفق حول جزء منها ونختلف حول أجزاء.
ويبقى العنصر البشري محور كل مبادرة إصلاحية، فلا تكفي النظريات التربوية بمختلف مدارسها وتياراتها الفكرية لتحقيق الغايات المنشودة وتجويد العطاءات، إذا لم تكن هناك قناعات ذاتية تحترم الرسالة التي نحملها كتربويين ، وتعمل على بلورتها وفق ظروف تحترم الخصوصيات الاجتماعية ، والهوية المحلية، بمختلف مكوناتها الدينية واللغوية و..
ولنا في التجربة اليابانية خير مثال ، فبعد حرب عالمية مدمرة للبنيات الأساسية اليابانية ،استطاعت هذه الدولة الخروج من الدمار الشامل إلى التكنولوجيا الرائدة ، باعتمادها خطة تربوية تحترم الهوية الوطنية ، وتقدس العمل .
وما أحوجنا- اليوم - كمغاربة إلى ذلك ، دون قطع الصلة بما يدور حولنا من نظريات ومفاهيم وتجارب تتفق ومقدراتنا الفكرية وخصوصياتنا المحلية ، ثم إن الأخذ بالتجارب التربوية الرائدة عالميا، يجب ألا يتم عبر منظور عمودي يتبع نهج الاملاءات / التنزيل ، والقوالب الجاهزة ، بل يتحتم إشراك كل الفاعلين والمهتمين بل والعاملين في حقلي التربية والتعليم حتى تتولد القناعات لتكون دافعا ومحفزا للعمل من أجل تربية أبنائنا على العمل الجماعي التشاركي ، وتبرير اختياراتهم بطرق وأساليب علمية دقيقة ومقنعة مما يسمح لهم بالتربية على أخذ المبادرة واتخاذ القرار ، وتحمل المسؤولية ، ثم قبول الرأي الآخر .
ثم ان الإصلاح التربوي الموضوعي لا يتحدد بقطيعة ابستمولوجية وتغيير جدري لأن هناك صيرورة وجب احترامها ، إذ لا يمكن تعطيل المسيرة من أجل انطلاقة جديدة ، فالمدرسة المغربية العمومية التي تتعرض للعديد من سهام النقد لا زالت قادرة على العطاء - رغم حملات التشكيك وتمرير الخطاب ألتيئيسي - ولو كونها تتعرض لخطر محدق يتمثل في اختراق قيمي وإيديولوجي هدام ، وهي بذلك لم تعد محصنة تربويا ، وعلميا ، وفكريا ، وان أكبر خطر يتهددها هو تحويلها إلى فضاء لتمرير أفكار ذات آثار سلبية على الكيان المجتمعي مستقبلا.
وبالرجوع للامتحانات المهنية كقيمة تحفيزية للترقي نجد أنفسنا أمام أسئلة من الضروري أن نتسلح بكثير من الموضوعية للإجابة عليها ، فهل من الضروري أن تكون هذه الامتحانات هي المسلك الوحيد للترقي إلى جانب الترقي بالاختيار ؟؟؟
لقد اتبثت تجربة الامتحانات المهنية كون أسئلتها تخاطب الذاكرة فقط ، وان قياس تلك العلاقة التي تربط الأستاذ بتلميذه تظل في منأى عن القياس والملامسة ، لذلك أضحى من الضروري التفكير في آليات جديدة للترقي تجمع بين اختبار الذاكرة وقياس الممارسة اليومية للعملية التربوية التعليمية .
إن الممارسة اليومية لتقويم أداء المدرسين لا زالت شبيهة بممارسات الخمسينيات والستينيات من القرن الماضي ، لذلك من الأجدر التفكير في مشروع يتوخى تطوير أداء المدرس وتحسين كفاياته المهنية ، على آمل إضافة لبنة التراكمات المعرفية والميدانية الهادفة إلى تطوير التفتيش التربوي ببلادنا ،، ، لنعترف - إن كان ذلك فضيلة - أن الحاجة ماسة إلى بناء أدوات لملاحظة وتقييم أداء المدرس ، مع ضرورة استثمار التراكم المعرفي والميداني في ملاحظة وتقييم الأداء المهني للمدرس لبناء آليات جديدة تتوافق وخصوصيات الإشراف التربوي ببلادنا .
وفي سياق آخر ، غدا مطلب النقطة الإدارية الكاملة مطلب جميع الشرائح التعليمية ، وهو مطلب يحمل في طياته بذور تناقضه ، في ظل الإجماع على نكوص هذه المنظومة، كما أن عيوبا وجب الانتباه إليها ضمانا للموضوعية ، فالقانون يعطي للرؤساء الحق في تنقيط عمل مرؤوسيهم ولو كان هؤلاء المرؤوسين في درجة أعلى من رؤسائهم ، لذلك تعين الاستئناس بالمرسوم 2.59.0200بخصوص اللجان الإدارية المتساوية الأعضاء والذي لا يعطي الحق لعضو اللجان المذكورة البث في قضايا الموظف الذي يفوقه في الرتبة .
وإذا كان من حسنات الامتحانات المهنية أنها أعادت نساء ورجال التعليم إلى حقل التثقيف الذاتي في مجال مهنة التدريس، فان من سيئاتها وعلامات انتكاسها الفاضحة لانهيار قيمي عم ربوع البلاد، هو اللجوء إلى التحايل المحيل على ظاهرة الغش المشينة ، مما حدا بمنتقدينا كتربويين ،نعتنا بممثلين لمسرحية الامتحان / المهزلة ، والتي لا يكتمل الفصل الواحد منها إلا بفاصل زمني طويل يفصل بين تاريخ تقديم المسرحية ، والإعلان عن نتائجها بإسدال الستار ، في انتظار فصول جديدة .
...ومع ذلك فالارتقاء بالشأن التربوي لا يمكنه المرور عبر القنوات التشكيكية واصطياد الفرص من طرف البعض الذي يجد في دغدغة أحلام المدرسين وسيلة للاستقواء والاستقطاب ولو عبر تقديم شريحة من الجسم التعليمي ككبش فداء ( المديرون تارة ، والمفتشون تارة أخرى ) وقد حان الوقت للبحث عن حلول عقلانية لإشكالية الترقي بالرفع الايجابي لوعاء المستفيدين ، والإسراع بترقية استثنائية لامتصاص التراكم العددي للمستوفين .
لقد بات من الأساسي إعادة النظر في شبكة الأرقام الاستدلالية وإحداث درجات جديدة ، ومراجعة شروط الترشح للترقي في الدرجة بمرتكزات تلائم بين الكفاءة المهنية ، وإفناء العمر في إنارة الطريق للآخرين .
هسبريس