اكديرة: قطاعا التعليم والصحة في المغرب تسودهما الفئوية والمزايدات السياسوية
اعتبر أن تصنيف المغرب في برنامج التنمية البشرية الأممي يعكس «النتائج غير المرضية» لقطاعات حيوية
حاوره: نور الدين اليزيد
بعكس زميله المفوض السامي لمندوبية التخطيط، أحمد الحليمي، الذي انتقد تقرير برنامج الأمم المتحدة للتنمية البشرية الأخير، والذي صنف المغرب في الرتبة 130 عالميا، يرى مدير وكالة التنمية الاجتماعية، محمد اكديرة، أن التصنيف الأخير مرده إلى «إرث الماضي» الذي جعل قطاعات حيوية مثل التعليم والصحة تحقق نتائج غير مرضية، موضحا أن هذين القطاعين تسيطر عليهما الفئوية والحسابات السياسوية، قبل أن يُعقب على كون المبادرة الوطنية للتنمية البشرية, هي الأخرى, لم تُطبق حسب المنهجية التي دعا إليها الملك، يقول اكديرة، الاتحادي الذي اتهم أيضا حزب القوات الشعبية بأنه أصبح حزبا متحجرا وغير ديناميكي وعاجزا عن تجديد نفسه, محملا قيادة الحزب المسؤولية على ذلك.
- ما تعليقكم في وكالة التنمية الاجتماعية على التصنيف الأخير لبرنامج الأمم المتحدة للتنمية البشرية، الذي وضع المغرب في المرتبة 130 عالميا، متراجعا أربع درجات عن تصنيف السنة الماضية؟
< يمكن القول إن تصنيف برنامج الأمم المتحدة للمغرب كان دائما هو نفس التصنيف، وقد اشتغلت على أول تقرير سنة 1990، عندما كان المغرب مصنفا في المرتبة 112 وكان وقتها عدد الدول التي شملها التصنيف أقل من العدد الحالي. ورغم أن المغرب يقوم بتحسين أداء مختلف قطاعاته فإن الشيء نفسه تقوم به البلدان الأخرى، إلا أنه يمكن الإقرار بأن المغرب يعاني من نتائج غير مرضية في قطاع الصحة وقطاع التربية الوطنية اللذين لهما وزن كبير في تنمية البلدان. ويمكن الإشارة إلى أن المغرب هو من البلدان التي لها أكبر فرق ما بين مؤشر الدخل ومؤشر التنمية البشرية، لذلك فإننا من حيث الدخل نصنف في المجموعة الثانية ذات الدخل المتوسط، لكن في ما يخص تصنيف التنمية البشرية نحن في المجموعة الثالثة التي وإن كنا تقدمنا بعض الدرجات فإننا بقينا في مراتبها الأخيرة. وعلى أي فإن المشكل له عدة تفسيرات، ومنها أن هذا المؤشر لا يأخذ بعين الاعتبار العديد من القطاعات التي حقق فيها المغرب نتائج متقدمة، مثل حقوق المرأة والديمقراطية. لكن الأكيد هو أن النتائج غير مرضية، رغم صرف الكثير من الأموال، وهذا راجع إلى طريقة تسيير القطاعات الاجتماعية السالفة، التي اعتبرناها لمدة طويلة قطاعات إدارية محضة، ويتم استبعاد الأطراف الأخرى في تدبيرها، هذا من جهة ومن جهة ثانية، فإننا لم نعط الأهمية اللازمة لأخلاقيات المهنة في هذين القطاعين الحيويين، فطغت اعتبارات فئوية أكثر منها اعتبارات مهنية بالمفهوم النبيل للكلمة، وعانى هذان القطاعان سواء من طرف الدولة أو الأطراف الأخرى من مزايدات سياسوية. إنه إرث الماضي الذي خلف إشكاليات هيكلية كثيرة ينبغي مواجهتها وتحمل المسؤولية!
- هي مسؤولية من؟
< مسؤولية الحكومة والقوى السياسية والنقابات وكذلك المواطن، حيث إن على الآباء الاهتمام الوعي بتربية أبنائهم وإعادة الاعتبار للمدرسة، التي فقدت الكثير من الاهتمام بها سواء من طرف الأولياء أو التلاميذ، ولم يعد هؤلاء يسهرون على الحفاظ عليها والعناية بها، كما كان عليه الأمر في السابق، والمؤسف أننا نقوم بإعادة ترميم أو تشييد مؤسسة فتتعرض مرافقها، بعد ذلك، للتلف بسبب التلاميذ أنفسهم. وهنا أشير إلى وضعنا برنامجا نموذجيا مع المجتمع المدني حول المواطنة في المدرسة، الغرض منه هو إرجاع الفضاءات التربوية والصحية للمواطنين، بدل بقائها بيد الإدارة، وهذا لن يتأتى إلا بالتحلي بالمسؤولية والصراحة والشفافية من طرف كل من المواطن والدولة والأحزاب.
- بعد حوالي تسع سنوات من عملها الميداني، كيف تقَيم أداء التنمية وكالة الاجتماعية؟
< يمكن الحديث، بداية، عن مرحلة تأسيس الوكالة سنة 1999، وعن أول ميزانية حصلت عليها في سنة 2001، وهي المرحلة التي تميزت بالتأسيس ماديا وكذا بإيجاد المساطر وأدوات العمل وقانون الأطر والمجلس الإداري والميزانية. في نفس الوقت كان علينا المرور بمرحلة تجريبية في محاربة الفقر ودعم التنمية الاجتماعية، وهو العمل المفروض أن يكون مبنيا على مقاربة تشاركية، والتي اتضح أنها لا تتوفر على تعريف واضح، والمفهوم السائد هو المشاركة في التمويل، حيث لا يتردد المواطنون في تقاسم أعباء الكهرباء والماء مثلا عندما يُطلب منهم ذلك، لكننا في الوكالة حاولنا أن نعطي لمفهوم المشاركة مدلولا جديدا هو التسيير المزدوج مع جمعية، مثلا، مع تحديد المسؤوليات والأهداف، وهذا ما بلورنا، على أرض الواقع في شكل اتفاقيات شراكة، حيث بلغ العدد أكثر من ثلاثة آلاف اتفاقية. وقد سمحت لنا مختلف التجارب بالتوفر على روح عصرية في التسيير، عبر التتبع والشراكة والقيام بحملات تحسيسية، وحث المواطنين على تقديم مشاريع اجتماعية بهدف التمويل، مما يتطلب تكوين الجمعيات الصغيرة بالدواوير. وقد استمرت الفترة إلى غاية سنة 2004، وقمنا بقراءة للنتائج بمعية تنسيقيات جهوية، وقررنا بعدها الانطلاق في مقاربة أخرى أسميناها مقاربة ترابية، حيث اتضح لنا أن هناك مناطق فقيرة جدا لكن لا توجد بها جمعيات أو أن بها جمعيات قليلة ولا تتوفر على مشاريع، في الوقت الذي كانت معظم المشاريع، إلى غاية نهاية سنة 2004، متواجدة بثلاث جهات أساسية هي جهة سوس ماسة درعة ومراكش تانسيفت الحوز والجهة الشرقية.
- هناك من يقول إنه في ظل وجود المبادرة الوطنية للتنمية البشرية، فإن عمل وكالة التنمية الاجتماعية أصبح متجاوزا، هل هذا صحيح؟
< هذا غير صحيح لأن المبادرة الوطنية لم تأت لتعوض مؤسسات موجودة، ومن خلال المفهوم الذي أعطاه لها جلالة الملك، فهي تجربة تمتح من التجارب الوطنية ومن الخارج. ومع انطلاق المبادرة الوطنية للتنمية البشرية في دجنبر سنة 2005، تمت مراجعة استراتيجية الوكالة سنة 2008 عبر إعادة تعريف مهمتها، وإعادة صياغة محاور تدخلها مع التشديد على المقاربة المجالية. والوكالة وإن كان لها دور متواضع في مجال التنمية فإنه دور مشرف بالنسبة إلينا، وإن كان يصعب عليها تمويل مشاريع في الوقت الذي باتت فيه المبادرة تقوم بهذا الدور أيضا، خاصة في ظل توفر المبادرة على إمكانيات مادية مهمة تقدر بملايير الدراهم وتفوق تلك التي تتوفر عليها باقي المؤسسات، سواء الوكالة أو مؤسسة التعاون الوطني، لكن الصعوبات في الوصول إلى تنمية ظلت قائمة رغم كل هذه الإمكانيات، ومرد ذلك إلى أن الفاعلين الجمعويين المحليين ليست لهم القدرات الكافية على تسيير المشاريع، ولذلك نركز بالأساس على تكوين العنصر البشري أو الرأسمال البشري، وتكوين الجمعيات العاملة في المجال الاجتماعي، بتزامن مع تكوين كفاءات الوكالة حتى يصبح العمل متكاملا، لأن مشكلتنا في المغرب هي أننا على المستوى الفردي نكون جد أذكياء لكن عملنا جماعيا يفتقد إلى هذا الحس، وهو ما يحز في النفس حقيقة، وبدل التعاون والعمل الجماعي نجد صراعا وتنافسا يخرج أحيانا كثيرة عن اللباقة والرغبة في تحقيق أهداف نبيلة لتحل الرغبة في إقصاء الآخر.
- في هذا السياق ما هي طبيعة علاقتكم بباقي المتدخلين الحكوميين الآخرين في المجال الاجتماعي؟
< هي علاقة مبنية بالأساس على الشراكة، سواء مع عدد من الوزارات أو مع وكالات أخرى كوكالة الجنوب ووكالة أقاليم الشمال، وكذلك مع المكتب الوطني الماء الصالح للشرب والمديرية العامة للجماعات المحلية بوزارة الداخلية، وغيرها من الشراكات التي تنظمها اتفاقيات إطار واتفاقيات عملية. وكنموذج للاتفاقيات الإطار نذكر الاتفاقية التي تربطنا بمديرية الجماعات المحلية التي بمقتضاها نشتغل حاليا على 17 إقليما و466 جماعة قروية و33 جماعة حضرية، في الوقت الذي نعقد فيه، بالموازاة مع ذلك، اتفاقيات مع كل إقليم على حدة، وكذلك الأمر مع الجمعيات الوطنية والدولية، وكلها شراكات تكون مبنية على التزامات وأهداف واضحة. إنها علاقة طيبة، ولا يمكننا أن نعمل إلا في ظل وجود مثل هذه الشراكات، وهذا ما يتطلبه العمل التنموي الذي يتجاوز الشأن الفردي إلى العمل الجماعي.
- هل هناك استراتيجية لدى الوكالة للعمل على المدى البعيد أم إن إطار عملكم محدد بزمن قريب؟
< لا بد من التذكير بأن الفترة الممتدة من سنة 2008 إلى سنة 2012، هي مبنية على ثلاثة محاور. سنركز في الأول على تقوية الكفاءات في صفوف الفاعلين المحليين، بينما يتعلق المحور الثاني بتشجيع الأنشطة المدرة للدخل والتشغيل، وتتضمن هذه الأنشطة برنامجين أساسيين، برنامج لدعم الأنشطة المدرة للربح وبرنامج لدعم المقاولة الصغرى، ويستهدفان الفئة الأكثر فقرا والذين هم في وضعية هشة، حتى يمكنهم المساهمة في التنمية الاقتصادية للبلاد، ثم هناك المحور الثالث الذي من خلاله نحاول معالجة إشكالية التنمية البشرية، وتحقيق أهداف شراكاتنا في المجال الصحي والتربوي وقطاع الشباب والثقافة. وإذا كانت النتائج غير مرضية اليوم في المجال الاجتماعي ببلادنا فإن السبب الرئيسي هو طريقة تسييرنا لكل هذه القطاعات، وفي ما يتعلق بالتعليم فإن كان هناك مشكل في التعليم الأولي، فإنه سيستمر في المستويات الموالية للتلميذ بالإضافة إلى مشكل اللغات أيضا، حيث يجد أبناء المناطق الأمازيغية مشكلا كبيرا في التواصل داخل الفصل لعدم تحدثهم العربية، بالإضافة إلى أن التلاميذ الذين لا يمرون عبر الروض والتعليم الأولي يجدون صعوبات في مواكبة تعليمهم الابتدائي لأنهم لم ينموا إحساسهم في أجواء تربوية إسوة بأقرانهم. وفي هذا الشأن انكببنا على تجربة محلية بمنطقة الشاوية ورديغة، ستنتهي بداية السنة المقبلة، وحصلنا على نتائج طيبة، حسب التقييم الأولي لها. وعلى مستوى الصحة فإننا نعمل على تشجيع خلق صناديق جماعية للتغطية الصحية، لأن ما هو موجود هو التأمين على المرض, وهناك تأمين يخص فئات ليست فقيرة ولكن لا تتوفر بالمقابل على دخل وبالتالي فليست لديها خدمة صحية، لذلك فالمطلوب هو إيجاد تغطية لهذه الفئة المحرومة من التغطية الصحية، ونفس الشيء بالنسبة إلى ما يتعلق بالشباب حيث هناك أنشطة متعددة. وعموما فإن المحور الثالث يركز بالأساس على امتحان وتجريب العمل التشاركي لتحسين الخدمات الاجتماعية الموجودة، والاستفادة من تجارب الجمعيات التي استطاع بعضها ابتكار أفكار خلاقة يمكن نقلها إلى مناطق أخرى.
- ما بين سنتيما 2001 و2008 تم رصد ميزانية تقدر بـ1325 مليون درهم، هل يمكن لك أن تقدم لنا صورة عن المشاريع التي استثمر فيها هذا المبلغ المالي؟
< فعلا، هي ميزانية ساهمت فيها الدولة بـ34.8 في المائة وإدارة التعاون الوطني بـ18.5 في المائة والجهات المانحة الوطنية
بـ46.7 في المائة. وقد اشتغلنا في قطاع التجهيزات الاجتماعية الصغرى، على الماء الصالح للشرب والمسالك الطرقية ودور الطالب والطالبة، وكذا على مشاريع محاربة التصحر وآثار الجفاف، وكلها مشاريع في العالم القروي، لكن لم نعد نشتغل عليها منذ سنة 2007 باعتبار أن قطاعات حكومية مختصة تهتم بذلك، إلا في حالات خاصة عندما يتعلق الأمر مثلا بدواوير لا يطالها الماء الصالح للشرب أو المسالك الطرقية، لعدم برمجتها في تلك المناطق. وقتذاك، نتدخل كشركاء من أجل تذليل الصعاب ومد المواطنين- الذين يساهمون بخمسين في المائة- بالماء والطرق، خاصة في المناطق الجبلية الوعرة التي يصعب شق الطرق فيها أو إمدادها بقنوات الماء. لكن بداية من سنة 2006 بدأنا نتوجه أكثر إلى التشجيع على ممارسة الأنشطة المدرة للدخل، والتشجيع على السقي الصغير خاصة في مناطق الجنوب والشرق التي تعاني من الجفاف، وكذلك الصيد البحري والقطاع الغابوي، بشراكة مع مؤسسات القروض الصغيرة، كـ«أتيم» في مناطق الشمال و«البركة» في الشرق، وهي مؤسسات تشتغل في العالم القروي مقابل استفادتها من تسبيقات بدون فائدة للتشجيع على خلق فرص شغل والمساهمة في محاربة الفقر. ورغم أن تمويل هذه الأنشطة يأتي على شكل إعانات من الوكالة، فإن المستفيدين مطالبون بإرجاعها لفائدة صندوق جماعي ليعاد استغلالها بشكل دائم لتمويل الأنشطة المدرة للدخل.
- بالنظر إلى تجربتك في المجال الاجتماعي، ما رأيك في القول الذي يذهب إلى أن المبادرة الوطنية للتنمية البشرية ساعدت على انتشار ظاهرة الاتكال لدى شرائح مهمة من المواطنين وانتشار الفقر؟
< لا أتفق بتاتا مع هذا الطرح، أولا لأن المبادرة جاءت بقصد منح الدعم والتمويل وهو ليس تمويلا كبيرا، ولا يتعدى عشر مليارات درهم في خمس سنوات، وإن كانت ميزانيتنا بالوكالة لا تتعدى نسبة 4 في المائة من ميزانية التربية الوطنية، والمبادرة الوطنية للتنمية البشرية تقوم على فلسفة تشجيع روح المبادرة والمواطنة وليس الاتكالية. المشكل الأساسي في عدم تفعيل أهداف المبادرة الوطنية هو أننا لم نشتغل عليها وفق المنهجية التي دعا إليها جلالة الملك، حيث تم صرف الأموال في المشاريع دون متابعة وإجراء تقييم بعد إنشاء المشروع، لأن المبادرة جاءت لتُعطي الكلمة للسكان ولممثليهم في علاقتهم مع اللجان والمجالس المحلية، ولكن غياب الديمقراطية الداخلية داخل هذه اللجان والمجالس هو ما جعلها لا تلعب دورها كاملا، وهنا يمكن التنبيه إلى أن هناك العديد من الجمعيات التي وجدت في المبادرة فرصة لأخذ المال فقط دون العمل على تأطير المواطن. وتبقى المبادرة ورشا مهما لمستقبل المغرب. لكن الإدارة التي يمكنها أن تعمل على تفعيل هذه المبادرة ليست لها ثقافة تشاركية. ومع ذلك تعتبر هذه الفترة من عمر المبادرة مدخلا تجريبيا أتاح فرصة الاطلاع على عدد من التجارب التي يمكن تحيينها وتعميمها في مجال التنمية المستدامة، ولن يتأتى ذلك إلا في ظل مراجعة الذات ومعرفة السلبي من الإيجابي طيلة هذه الخمس سنوات من عمر المبادرة التي تعتبر وسيلة وليست غاية، وهي فرصة المغرب أيضا للانطلاق من جديد, ولو بخطى متثاقلة, بعدما ظل متخلفا عن التقدم لمدة أربعين عاما في الوقت الذي قطعت فيه دول مماثلة لنا أشواطا مهمة على درب التنمية.
- تشير دراسة صادرة عن الوكالة إلى أنكم تعانون من ضعف الموارد البشرية، كيف يمكنكم التغلب على هذا العائق؟
< ربما هو ضعف نسبي في الإمكانيات في ما يتعلق بنشاطنا على أرض الواقع، لكن في ما يخص إدارة الوكالة فإننا نتوفر على أكثر من 400 إطار، موزعين على 16 تنسيقية عبر ربوع المملكة، ويوجد في كل تنسيقية إطار إداري واحد، بالإضافة إلى 70 إطارا في الإدارة المركزية، مقسمين بين التقني والإداري والمالي، وهناك أطر تعمل ميدانيا كما هو الشأن بالنسبة إلى 40 إطارا متواجدين بمنطقة سوس ماسة درعة. وتمول الدولة 30 في المائة من ميزانية الوكالة، وما تبقى يمول من طرف شركائنا الوطنيين والدوليين. ولقد وصلنا إلى قناعة هي أن الأقدمية لا تعني الشيء الكثير، بل بالعكس، هناك كفاءات وإن لم تكن تتوفر على شهادات فإن لديها قدرة على الإبداع، لذلك فإننا ارتأينا أن يكون الأجر مبنيا على النتائج المحصلة في تطبيق البرامج، لكن مع الأسف ليست لنا الإمكانيات الكافية لتحفيز أطرنا المشتغلة أكثر، والتي تتوفر على كفاءات عالية، رغم أن أكثر من 99 في المائة منهم هم خريجو المؤسسات الوطنية ومتوسط العمر لديهم لا يتجاوز 31 سنة.
- بعد تسع سنوات من العمل، ما هي أبرز العراقيل التي تعوق عمل وكالة التنمية الاجتماعية؟
< يمكن القول إن العراقيل الأساسية التي تعترض عملنا هي القواعد الشكلية المرتبطة بالمؤسسة، حيث إن الإدارة لم تتطور بالشكل الكافي الذي يخدم دينامية التغيير، خاصة في المجال الاجتماعي، وهو الميدان الذي له خصوصياته المرتبطة بظروف مختلفة منها الجغرافية وغيرها، حيث يصعب إنجاز العديد من المشاريع في المناطق النائية والجبلية، إلا أنه مع ذلك يمكن القول إن الوسائل موجودة ولكن هناك صعوبات شكلية خاصة في ما يتعلق بالميزانية والمساطر المحددة لطريقة صرفها. صحيح أن مبدأ المحاسبة يجب أن يؤطر صرف هذه الميزانية، لكن يجب، بالمقابل، أن يمنح مجال مقبول للتحرك والعمل. بالإضافة إلى أن تدبير الموارد البشرية ينبغي أن يستند إلى وسائل مادية كافية ومعقولة للحفاظ على الأطر، وهنا أود الإشارة إلى أننا في الوكالة، ومنذ بداية عملنا، استقال نحو 80 إطارا في سياق بحثهم عن آفاق مادية أحسن، ولهم عذرُهم في ذلك إن حصلوا على عروض أفضل، لأننا مع الأسف لم نستطع إقناع مثل هؤلاء بالبقاء ما داموا يجدون عروضا أحسن من العرض المقدمة إليهم من طرف الوكالة. إن المغرب يسير ببطء كبير في مجال الإصلاحات المؤسساتية، سواء في مجال الإدارة أو العدل وغيره، وهو البطء الذي يعتبر المعيق الأكبر للتنمية في البلاد، لذلك يجب معالجة هذه المعوقات الهيكلية التي تعتبر فرامل تكبح أي تنمية متوخاة بالسرعة المطلوبة.
- يصفك البعض داخل الاتحاد الاشتراكي بأنك واحد من بين عدد كبير من الاتحاديين الذين لم ينصفهم حزب المهدي بنبركة، ولم تحظ حتى بعضوية المجلس الوطني في المؤتمر الأخير، فإلى ماذا ترجع ذلك، هل إلى شفافية هياكل الحزب أم إلى اعتباراتأخرى؟
< بصراحة، يمكن القول إن حزب الاتحاد الاشتراكي يعيش أزمة داخلية منذ حوالي خمسة عشر سنة، وهي الأزمة التي لا يستطيع أحد إنكارها، والسبب هو أن الحزب لم يعرف كيف يجدد نفسه، والقيادة هي من تتحمل المسؤولية, وهي مسؤولية تاريخية سيتم تقييمها مستقبلا، إلا أن المناضلين هم أيضا يتقاسمون هذه المسؤولية، حيث ساهم هؤلاء في تكريس فلسفة الفئوية داخل الحزب، والأشخاص الذين يرفضون الرضوخ لهذا المنطق يحاربون ولا يجدون مكانهم داخل الهياكل التقريرية، وبكلمة واحدة أصبح صعبا على المرء أن يقوم بعمل بناء وإيجابي داخل الاتحاد الاشتراكي، لأنه أصبح حزبا متحجرا وغير ديناميكي ولم يعد مرتبطا بالميدان وبالمواطن، لفقدانه المصداقية، في الوقت الذي يحتاج فيه المغرب إلى أحزاب حقيقية تنهض بمسؤولياتها في المساهمة في التنمية الاجتماعية، ويمكن القول إنه، منذ ست سنوات، تمت خوصصة الحزب وأصبحت المصلحة الشخصية تطغى على المصلحة العامة.
الوكالة تضم 16 منسقية جهوية
تعتبر وكالة التنمية الاجتماعية، التي تأسست في غشت سنة 1999 ولم يعقد أول مجلس إداري لها إلا في أبريل سنة 2002، مؤِسسة عمومية تعمل تحت وصاية وزارة التنمية الاجتماعية والأسرة والتضامن، وتتمتع الوكالة باستقلال مالي ومراقبة وظيفية. ويتكون المجس الإداري للوكالة من 12 عضوا، منهم 6 أعضاء يمثلون الدولة و3 أعضاء يمثلون القطاع الخاص و3 آخرين يمثلون الجمعيات. وتبث لجنة المصادقة في المشاريع التي يفوق مبلغها المالي مليون درهم، وهي اللجنة التي تتكون من 8 أعضاء، مع احترام نفس التمثيلية المعتمدة قي تكوين المجلس الإداري. وارتفع عدد المنسقيات الجهوية إلى 16 منسقية سنة 2007، بدلا من 6 منسقيات عند إحداث الوكالة، كما تضاعف عدد العاملين بالوكالة، حيث انـتقل من 156 سنة 2006 إلى 489 سنة 2008، ومن المتوقع أن يصل إلى 603 خلال السنة الجارية.
المساء