عاشوراء والتربية على القيم
تعتبر المدرسة حارسة القيم ومكان ترسيخها، لكن في بعض الحالات تبقى المدرسة ومعها المقررات الدراسية لا تلامس و لا تتطرق بالمرة لقيم وعادات تنتشر في المجتمع بغية تأصيلها وترسيخها في نفوس الناشئة أو بغية توضيح عدم تاريخيتها وبالتالي العمل على محاربتها وتبيان فسادها.وذكرى عاشوراء من الأيام المنسية عمدا في مقرراتنا التعلينية، فلم يتم الإشارة إليها من قريب أو بعيد، على خلاف عيد المولد النبوي الذي يذكر في كثير من المناسبات، خصوصا في مادة القراءة والتعبير الكتابي، إضافة إلى تخصيص بداية السنة الميلادية بيوم عطلة، وبالاحتفالات وبالأمسيات في وسائل الإعلام الرسمية وخاصة المرئية منها.
وإذا كان عدم الاهتمام بيوم عاشوراء نابع من اعتباره يوم غير جدير بالاحتفال لكونه ليس تقليدا يجب المحافظة عليه والتعريف به وتخصيص يوم راحة من أجله، فإن عيد المولد النبوي بالعكس يحظى
بقيمة متميزة من خلال الترويج له في وسائل الإعلام الرسمية، وكذلك تخصيصه بيومين عطلة وكذلك رأس السنة الميلادية، وما يخصص له من احتفالات وتزيين وسهرات في وسائل الاعلام.
مع العلم أن يوم عاشوراء له سند شرعي وتاريخي من خلال مجموعة من الأحاديث النبوية التي نجمل أهم مميزاته بتخصيص الرسول صلى الله عليه وسلم هذا اليوم بالصيام . في حين أن عيد المولد النبوي هو عيد من ابتداع الدولة الفاطمية التي كانت تحكم مصر وليس له سند شرعي ولا تاريخي. ورغم ذلك يخصص بالشرعية المتمثلة في تخصيصه بعطلة وكذلك إعطائه حيزا كبيرا من الاهتمام في وسائل الاعلام خصوصا المرئية منها.
إن التربية على القيم ونعني هنا القيم الدينية لا ينبغي أن نستثني منها الاحتفال بيوم عاشوراء لأن معظم التلاميذ لا يدركون المعنى الحقيقي لهذا اليوم وليس في أذهانهم سوى شراء اللعب وصنع " القريشلات " وخلطها بـ " الفاكية " والقيام باحتفالات تتنوع حسب المناطق من دق " الطعارج " و " تكزدوفت " والرش بالماء و" الذيالة " وهي كلها بدع ما أنزل الله بها من سلطان في هذا اليوم المبارك، لهذا يجب تخصيص درس لعاشوراء ضمن العقائد والعبادات من خلاله يتعرف التلميذ بالخصائص الحقيقية لهذا اليوم لأن واجب المدرسة أولا وأخيرا تنوير التلاميذ وترسيخ العادات والقيم الإيجابية ونبذ الشعودة والطقوس المشوهة لهذا اليوم الفضيل.
ولنسلط الضوء شيئا ما عن هذا اليوم الفضيل، فهو اليوم العاشر من شهر محرم من كل عام ، يتم صيامه شكرا لله على أن نجى موسى عليه السلام وقومه من فرعون وملئه .
ومراتب صومه تتجلى في :
أكملها : أن يُصام قبله يوم وبعده يوم .
ويلي ذلك : أن يصام التاسع والعاشر .
ويلي ذلك : إفراد العاشر وحده بالصوم
أما فضله:
فعن عبد الله بن عباس قال : حين صام النبي صلى الله عليه وسلم يوم عاشوراء وأمرنا بصيامه قالوا يا رسول الله إنه يوم تعظمه اليهود والنصارى فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم فإذا كان العام المقبل صمنا يوم التاسع فلم يأت العام المقبل حتى توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم * ( صحيح ) _ وأخرجه مسلم.
عن أبي قتادة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم صيام يوم عاشوراء إني أحتسب على الله أن يكفر السنة التي قبله * ( صحيح ) _ الارواء 109/4 ، صحيح أبي داود 2096
عن عائشة رضي الله عنها قالت كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصوم عاشوراء ويأمر بصيامه * ( صحيح ) _ صحيح أبي داود 2110 : وأخرجه البخاري ومسلم.
أما فوائده فيستحب صيامه اقتداء برسول الله صلى الله عليه وسلم.
هذا اليوم صامه النبي صلى الله عليه وسلم وصامه الصحابة وصامه موسى عليه السلام قبل ذلك شكرا لله.
ويستحب صيام يوم قبله أو يوم بعده لتتحقق مخالفة اليهود التي أمر النبي صلى الله عليه وسلم بها.
فيه بيان أن التوقيت في الأمم السابقة بالأهلة وليس بالشهور الإفرنجية لأن الرسول صلى الله عليه وسلم أخبر أن اليوم العاشر من محرم هو اليوم الذي أهلك الله فيه فرعون وجنوده ونجى موسى عليه السلام وقومه ..
هذا ما ورد في السنة بخصوص هذا اليوم وما عداه مما يُفعل فيه فهو بدعة خلاف هدي النبي صلى الله عليه وسلم ..
فأين فضل عيد المولد النبوي من فضل يوم عاشوراء حتى يتم تكريمه مثل هدا التكريم والترويج له بكيفية ملفتة للنظر؟ أين فضله من يوم نهاية السنة الميلادية،؟ وفضله وأهميته.
هذه التي بيناها أعلاه مدعاة إلى الكف عن التعتيم على هذا اليوم المبارك في المناهج الدراسية ووسائل الإعلام.
ونتمنى أن يتنبه الذين أرسوا التربية على القيم أن يختاروا القيم الصالحة دنيويا وأخرويا وأن يعملوا على تسليط الضوء على البدع والضلالات وتنوير المتعلمين من خلال إقرار عطلة رسمية لهذا اليوم وتخصيصه بدروس في مادة التربية الإسلامية ليكونوا متوافقين مع رؤيتهم الخاصة بترسيخ القيم النبيلة سواء الدينية منها أو الإنسانية بصفة عامة.
محمد أزوض