مشروع المؤسسة بين اختلالات البلورة ومعيقات الإنجاز
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]
مقدمة:[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]
لقد تم، ومنذ قترة زمنية، وضع تصور وصياغة مشروع تربوي بكل مؤسسة تعليمية. وبعد مراجعة محتوياته وتعديلها وتحديد مراحل ومؤشرات الإنجاز والحاجيات الضرورية والمبالغ المالية اللازمة، يتم الانتقال إلى مرحلة الإنجاز وفق مخطط استراتيجي محدد، قصد تحقيق الأهداف المسطرة. فانطلاقا من الواقع التربوي والإداري المعيش، والمواكبة الفعلية لمراحل بناء المشروع والبلورة والاستعداد لانطلاق الإنجاز، تمت ملامسة بعض الفتور والمواقف لدى بعض عناصر الساكنة التربوية داخليا وخارجيا، مصدرين أحكاما تتأرجح بين الإيجاب والسلب والقبول والرفض، متحججين بشوائب متعددة تطال بناء وبلورة المشروع، ما سوف يؤثر سلبا على مراحل الإنجاز وعدم تحقيق النتائج المرجوة. فما هي الاختلالات التي تسربت، خلال المراحل الأولى لبلورة مشروع المؤسسة؟ وكيف يمكن أن تؤثر هذه الاختلالات على الفرقاء التربويين في كل مرحلة من المراحل المسطرة للمشروع؟ وما هي المعيقات التي يمكن أن تقف أمام تحقيق النتائج المنتظرة من المشروع؟ وكيف يمكن تجاوز هذه المعيقات وتصحيح الوضعيات والتمثلات لدى مختلف الأطراف سواء داخل المؤسسة التعليمية أو خارجها، ولدى كل ذي صلة بمشروع المؤسسة؟ سوف نحاول الإجابة على هذه الأسئلة، قدر الإمكان، وذلك ضمن الفقرات الثلاث التالية، انطلاقا من الواقع الملموس في إطار مشروع المؤسسة وما يتداول في الأوساط التربوية والتعليمية. I. مشروع المؤسسة: اختلالات البلورة.
في إطار تعليمات رسمية ومن منطلقات تشريعية، وفي ظروف متباينة تختلف باختلاف خصوصيات المؤسسات التعليمية، وأحداث متسارعة تسابق الزمن، وعمليات تربوية وإدارية مكثفة ومتشابكة حول النتائج المدرسية والخريطة التربوية والحركة الانتقالية وجداول الحصص واستعمالات الزمن وغيرها، تمت بلورة مشروع المؤسسة وفق طرائق ومنهجيات مختلفة حسب ما تتيحه الظروف وواقع المؤسسة التعليمية أطرا تربوية وإدارية ومرافق وبنيات تحتية وفضاءات تربوية. فماذا حدث، عموما، وكيف أنجزت مختلف العمليات؟ فبناء على مذكرة داخلية أو توجيه استدعاءات مكتوبة أو شفهية، انعقد اجتماع عام بالمؤسسة التعليمية أو اجتماع أعضاء مجلس التدبير، أو تم تعيين بعض الأفراد وتكليفهم بالقيام بما تمليه النصوص المنظمة، مع تحديد الأدوار والمهام والمسئوليات، دون نشر الموضوع ودون تنظيم حملة إخبارية تواصلية وتشاورية في أوساط الفرقاء ومختلف الأطراف التربويين. في هذه الظروف، تمت بلورة وصياغة مشروع المؤسسة، وتم إشراك أو مشاركة البعض، كما تم الإقصاء أو الرفض الذاتي للبعض الآخر. وهكذا يتم الإخلال بواحد من المبادئ الأساسية لدمقرطة الفعل التربوي وهو التواصل والتشاور وأخذ برأي كافة الشركاء وإجماع الأغلبية على موضوع تربوي ذي أولوية يستحق المعالجة دون غيره. إن عدم التشاور حول عمل ما، يحد من المبادرة الشخصية والتلقائية في التجاوب مع مختلف الوضعيات، وقد يؤدي إلى عدم الانخراط والمشاركة في هذا العمل.
فالمشروع المقترح من طرف فرد أو قلة من أفراد الساكنة الخارجية والداخلية للمؤسسة لن يتم، طبعا، التوافق أو التراضي حوله، كون مبدأ الحوار والإقناع والاقتناع أخل به، ما يجعل سيلا من التساؤلات ينهار على المشروع وواضعيه، الشيء الذي يؤدي إلى إصدار انتقادات والقيام باحتجاجات حول التصرفات الذاتية والانفراد بالقرارات، التي غالبا ما تعبر عن رؤيا شخصية تصدر على شكل ارتسامات وانطباعات وخواطر وتمثلات لا تعني إلا صاحبها. إن قيام بعض الأفراد بعمل ما، دون غيرهم، عن طريق التعيين أو التكليف المباشر، يؤجج لا محالة غضب البعض الآخر، حيث يثير الريب والشكوك في نوع العلاقات الرابطة بين الرئيس والمرؤوس والمكلف(بكسر اللام) والمكلف(بفتح اللام). إذ تتبادر إلى الأذهان كل الأحكام والأوصاف البذيئة المرتبطة بالإخلال بالتدبير العقلاني والحكامة الرشيدة المتمثلة في الإشراك والتشارك والشفافية والإنصاف والاستحقاق والكفاءة وإرساء مبدأ تكافؤ الفرص والنزاهة والمصداقية وغير ذلك من المواصفات الرامية إلى إرساء مبادئ العدالة والمساواة والديموقراطية. II
. مشروع المؤسسة: معيقات الإنجاز. تلقائيا، وكنتيجة حتمية لما تقدم، فإن الفرد الممارس عليه الإقصاء والتهميش وعدم إشراكه، وكذا عدم اعتبار كفاءته، خصوصا في العمل التربوي، يشعر بالظلم والإجحاف، فيلتجئ إلى العصيان ثم المقاومة قصدا أو لاشعوريا إثباتا لذاته ودفاعا عن مصالحه الشخصية، هذا من ناحية.
ومن ناحية أخرى، من المعلوم أن كل مشروع يروم إحداث تغيير على مختلف الأصعدة: نفسية، تربوية، اجتماعية وغيرها. ومن المعلوم كذلك أن كل تغيير تتشكل حوله مواقف فردية أو جماعية معينة مقصودة أو تلقائية، دفاعا عن امتيازات معتادة ومألوفة. فيتملك الفرد أو الجماعة المستهدفة هاجس الخوف من ضياع مكتسبات سابقة، أضحت راسخة تنتج عنها عائدات نفعية. وبقدر ما ينزل المشروع بثقله، بقدر ما يزداد عنصر الحيطة والحذر ويكبر ويتخذ أبعادا متعددة، ليطلق الفرد أو الجماعة المعنية سيلا من الاستفسارات والتساؤلات، من قبيل: لماذا هذا المشروع؟ ما هي الأهداف التي يروم تحقيقها؟ وما هي النوايا والخلفيات الحقيقية وراءه؟ وغير ذلك من الأسئلة المتشعبة، التي تتناول مختلف الأبعاد والاتجاهات. وفي محاولة لتبرير وضعية معينة، نفسية، اجتماعية، ثقافية، اقتصادية...تبادر الأطراف المعنية أو المستهدفة إلى إطلاق العنان لمجموعة من الأحكام الذاتية من قبيل: الإقصاء، التجاهل، النكران، رفض إشراك الآخر وعدم اعتبار آرائه ومقترحاته، الإحباط وفقدان الثقة في الآخر وفي القدرات الذاتية، ليتخيل لهذه الجهات التي لم تعن بالمشاورة أنها مجرد وسائل مسخرة للتنفيذ، يتم تشغيلها آليا، لإنجاز عمليات محددة أهدافها مسبقا، والقيام بأعمال مبرمجة للتوصل إلى نتائج معينة وتحقيق أهداف غير مقتنعة بها. ونظرا لاضطرابات نفسية وترددات بين القبول والرفض والإقدام والإدبار، يهيمن عامل التقاعس، فيضعف الإيمان بالمشروع وأهدافه، ويضعف معه الانخراط في المساهمة والمشاركة والإنجاز، فتفرغ مختلف العمليات من محتوياتها، وتفتقد لعناصر الفاعلية والنجاعة ، الأمر الذي يتولد عنه إنتاجات هزيلة، بعيدة كل البعد عن أدنى معايير الجودة والإتقان. إضافة إلى ما تقدم؛ وبغية الرفع من قيمة المشروع، يصرح بالمساهمة في مشروع المؤسسة في إطار التطوع، فيعتبر المتطوع نفسه يقوم بعمل إضافي ووفق ما يحلو له، ومقابل امتيازات معينة، يتم التفاوض حولها، وذلك من قبيل الاستفادة من جدول حصص مخفف، أو التغيب لقضاء مآرب شخصية ....فينجم عن ذلك، وبشكل لاإرادي ضرب العمل التطوعي العمل الرسمي. وعند حدوث أي سوء تفاهم يضرب العملان معا. ولما لم يستفد المساهم في مشروع المؤسسة من امتياز جدول حصص مخفف، وبعد فترة وجيزة، ينال منه الإرهاق مناله، فيتقاعس كرها، وتقل مردودية عمله، وبالتالي يسير العمل التربوي برمته نحو الضياع والتلاشي. أما العامل الأكثر تأثيرا سلبا في المساهة في أي مشروع كان، خصوصا المشروع التربوي، فهو الامتيازات المادية غير المتكافئة بين مختلف المنخرطين في هذا العمل، إذ يشعر من يكافأ أقل بالحيف، ويشعر بالظلم والإجحاف والإقصاء من لا يكافأ، فينتج عن ذلك الرفض في الانخراط في العمل أو التقاعس، وبالتالي اتخاذ مواقف معينة. III
. من أجل تجاوز الاختلالات والمعيقات وتصحيح الوضعيات. حيث يعتبر مشروع المؤسسة، من منطلق التعريفات الإجرائية، مخططا استراتيجيا يشمل فعليا مجموعة من العمليات والإجراءات التي تنبني على تشخيص واقع المؤسسة التعليمية، والتي تروم تحقيق جملة من الأهداف التربوية المسطرة في إطار من التعاون والتشارك والعمل الجماعي، فإنه يجب العمل على نشر ثقافة المشروع، اجتماعيا واقتصاديا وتربويا، وذلك بانتهاج أسلوب الإقناع والاقتناع مع إبراز أهمية العمل الجماعي وترسيخ الثقة لدى الفرد في المخططات المستقبلية، وانخراط مختلف الأطراف في الإنتاج كل وفق تخصصاته وقدراته وقناعاته الشخصية. ولضمان الاستمرارية، وحتى لا يتسرب الملل والإحباط إلى نفوس المنخرطين في العمل الجماعي من أجل تحقيق أهداف مشروع معين، المشروع التربوي خصوصا، يجب انتهاج أسلوب التقييم المستمر خلال عدة مراحل، ونشر النتائج المحققة، وإبراز التغييرات المرحلية وملامسة التحسنات الطارئة، لحفز المنخرطين وإقناع الآخرين، مع وضع جرد للوضعيات التي تتطلب تركيزا واهتماما خاصين لتجاوز الصعوبات والمشاكل التي تعترض إنجاز المشروع من أجل السير قدما نحو الارتقاء إلى الأفضل. خاتمة إن مشروع المؤسسة عمل جماعي بامتياز، مبادئه: التشاور والتشارك والمساواة والإنصاف. ومعيقاته: التمايز والإقصاء والتهميش. أما دعاماته فتتمثل في زرع الثقة والاقتناع والانخراط والحفز من أجل الاستمرارية، ونشر ثقافة المشروع، بشكل عام، اجتماعيا واقتصاديا وتربويا....
*بقلم: نهاري امبارك.
* مفتش في التوجيه التربوي، مكناس
* مفتش في التوجيه التربوي، مكناس