مدير التعليم الابتدائي ذلك الموظف المهدور
اعلم أن يقظة الإدارة التربوية بالتعليم الابتدائي تحتاج إلى دعامتين اثنتين: دعامة النضال الحي التي تقيها من آفة التنازع التمثيلي والتأطيري والمهني.... ودعامة الإيمان بالقدرة على التجديد والتغيير، خصوصا وأن حالة المديرين والمديرات تزداد سوء ضمن تنفيذ مشاريع البرنامج الاستعجالي، والإيقاعات المصاحبة له، ومؤشرا ت مردوديتهم قد تبدو مواكبة، لكنها في العمق شكلية غير مضمون النتائج،لأنها غير منخرطة في المشاريع، بإرادة وتطوعية وكفاءة ومبادر وحماس، بل تعمل من قبيل أنها جهاز تنفيذي يقود فريقا لا سلطة له عليه.إن رؤساء المؤسسات التعليمية كائنات بشرية أضحت تعيش للإدارة، ومسكونة بها طوعا أو كرها لحد الجنون، فلا تجد مديرا بأي فضاء وزمان يتحدث سوى عن هموم الإدارة ومقتضيات تداعياتها، حيث يمسي على الإدارة ويصبح عليها ، فهي سيف مهند على رقبته، لا يستطيع الانفلات منها، خصوصا وأنه مجرد عن الصلاحيات الضرورية لتنفيذ
المهام الملقاة عليه قانونيا.
والغريب أن الإدارة التربوية بالتعليم الابتدائي بها " ترعات " لا تستطيع حتى الطاقة البيولوجية لهذا الكائن البشري المسمى مديرا أن تستوعبها وتتحملها،لأنها فوق طاقته، ويلام على التفريط في أي مهمة، ألقتها السلطات التربوية عليه دون التعرف على قدراته الطبيعية أو المكتسبة ميدانيا.
وما ذكرناه يلقي الضوء على بعض المديرين المتشربين لآفة الامتثال وتكريس الوقائع، فتراهم إلى تنفيذ ما يطلب وما لا يطلب، مستعجلين مكرسين " نظرية الهدر "، ومستبطنين للقهر والقاهرين، وثمة ضرب آخر لسنا بحاجة إلى تأكيد دوره في النضال الحي، والقدرة على المواجهة، بيد أن هذه الفئة الأخيرة تواجه صعوبات وقد تكون مضاعفة من طرف بعض أجهزة " السلطات التربوية " نفسها، خصوصا إذا أحست بتهديدات تمس مصالحها، فتتحرك بكل قواها المعلنة والمضمرة لتدمير هذه " الكائنات الإدارية " المعارضة لقيم القهر والاستغلال اللذين يمارسهما من يزعمون " معصومية الإدارة التربوية "، فتجد " ميليشيات " هم من " المديرين التبع " يتبرؤون من ذواتهم، أو في أحسن الأحوال يلتزم بعضهم الصمت، وأدمغة أخرى من السلطات التربوية تنفذ تكتيكا الضغط والاستفسارات والتهديدات بالإعفاء.. ضد المدير المعارض حتى يأتمر بأمر وتعليمات سلطاته التربوية، طوعا أو كرها، قانونا أو ظلما،خصوصا وأن هذا المدير مهما اجتهد ودبر وقدر بالليل والنهار ليفي مهام الإدارة حقها فلن يستطيع إلى ذلك سبيلا. ومن ثم تأتي قانونية الإجراء، حيث لا معقب لها جمعويا ولا نقابيا ولا حزبيا....
وطبعا هذه المظاهر المتفشية في نظامنا الإداري جميعها من مقومات هيمنة " السلطات التربوية "، وليست من مقومات قيم النهوض بقطاع التربية والتكوين، فالذي يرغب في السيطرة على المديرين ليس أمامه إلا أن ينكر عليهم حقهم الطبيعي في النضال الحي، والثقة بالذات الإدارية على التجديد والإبداع.
وباختصار فالمديرين الذين لا يرغبون في النضال لنفض الغبار، إما أنهم اكتسبوا صفات القاهرين حيث يمارسون القهر على المدرسين والمتعلمين ... وإما أنهم غدوا مضللين لتصورهم لطبيعة العمل التربوي الإداري، فاختلطت عليهم الأوراق ما بين ما هو نقابي وجمعوي وحزبي .... وحيث أن النضال الحي والإيمان بالقدرة على التجديد إنما يتحققان في نفس المرحلة ( خصوصا خلال مدة مشاريع البرنامج الاستعجالي ) فإن بعض أنواع النضال يستحيل تنفيذها في الوقت الراهن. والذين يرون هذه الرؤية لا يمكن أن يتهموا بالتقاعس وعدم الفاعلية لأن الرؤية في حد ذاتها وحاليا هي نوع من النضال.
فضاءات