تقليدية طرق التدريس ثغـرة فـي الارتقاء بالعملية التعليمية
تشهد النظم التعليمية في معظم دول العالم سلسلة من الإصلاحات التربوية من أجل تعزيز جودة التعليم المدرسي، وقد شملت هذه الإصلاحات العملية التعليمية سواء المناهج الدراسية، أو الوسائل التعليمية، أو الإدارة المدرسية . ورغم ذلك هناك تأكيدات مستمرة على أن الجودة الفعلية للتعليم تعتمد في الأساس على المعلمين وطرق التدريس التي تمثل بتقليديتها ثغرة في طريق الارتقاء بالعملية التعليمية، وهم الذين ينفذون كل المهام والأنشطة التعليمية في المدارس .غير أن الفواصل العميقة بين المعلم وتلاميذه بوسائل قائمة على السلطة المباشرة والقسوة من قبل المعلم وصرامته مع تلاميذه، أو اقتصار المعلم على تقديم المعلومة بطريقة تقليدية، وأيضا سخريته منهم في بعض الأحيان مع عدم التشجيع والثناء داخل الفصل، تصبح من أهم المعوقات لأساليب التدريس .
لذلك تعود بعض مخرجات التعليم غير الجيدة إلى أساليب وطرائق التعليم في المدارس بمراحلها المختلفة، فبدلا من أن يستخدم الطالب عقله ليقوم بحل مسألة رياضية ما في مادة الرياضيات، أصبحت المكتبات توفر نوعاً من الآلات الحاسبة التي تقوم عنه بالمجهود في جزء من الثانية، من دون أن يعرف الطالب كيف تمت العملية، سواء أكانت العملية قسمة مطولة أو العمليات الحسابية للكسور التي قد تتطلب توحيد المقامات، أو حتى إيجاد جذر لرقم معين . وتعاني مادة اللغة العربية التي طالما نادينا بالارتقاء بمكانتها من عدم الاهتمام بها من قبل مستخدميها أو القائمين على أمرها، وهو ما يتمثل في عدم فرض كتابة موضوعات تعبير أسبوعيا للمراحل المختلفة بهدف تقوية اللغة والأسلوب، كما اندثرت مادة الإملاء في بعض المدارس، ولا نرى حصصاً مخصصة للقراءة، مما يسفر عن خريجين غير متمكنين من اللغة، وعليه يجب تكثيف المادة للارتقاء بها بين طلبة المدارس، كما باتت المطالب ملحة للارتقاء بالواقع التعليمي لمادة الرياضيات، وإعادة النظر في اللوائح والأنظمة المتعلقة بالمادة، واقتراحات بتخفيض المنهاج من قبل المعلمين والطلبة على حد سواء .
أرجعت ريم محمود مشرفة مادة الرياضيات في مدرسة البصائر الخاصة التراجع في المخرجات التعليمية للمادة إلى تكدس منهج الرياضيات وكثرة التمارين والمسائل الرياضية الأمر الذي يعوق إمكانية تدريسها بالشكل الذي يرضي المعلم والطالب على حد سواء، ففي النهاية المعلم مطالب بإنهاء المنهج في الوقت المحدد سواء استطاع تغطية كل التمارين الملحقة بالدروس أم لم يستطع .
وقالت إن منهج الرياضيات للصف الأول من الحلقة الأولى للتعليم الأساسي يفوق مستوى قدرات الطالب في هذه المرحلة، ومن الواجب تدارك الأمر وتغييره، فيما يعتبر المنهج مكثفاً ويحمل في طياته التكرار للصفوف الثاني والخامس من الحلقة الأولى، والمعلم مرتبط بخطة زمنية محددة لا يتسع فيها الوقت للانتهاء من المقرر بالشكل المرضي .
وناشدت ريم الوزارة الاهتمام أكثر بالمعلمين في التعليم الخاص، وإشراكهم في الدورات الفعالة التي تختص بها المعلمين والمعلمات التابعين للوزارة فقط .
اتفقت صبا محمد معلمة الرياضيات في المدرسة نفسها مع زميلتها وأكدت أنه إن لم تكن معلمة المادة محنكة بما يكفي لاستعمال العقل في تنظيم الوقت لن تتمكن من إنهاء المنهج وتوصيل المعلومات الأساسية فيه للطلبة بالشكل اللائق .
وأشارت إلى أن كتب التمارين الخاصة بالمادة تحتوي على أخطاء عدة على مستوى الصفوف المختلفة في الحلقة الأولى، وطالبت بتقليل كثافة المادة كي يتاح للمعلمة إنهاء المنهج بكامل تفاصيله .
تغيير استراتيجيات التدريس
أحمد علي أبو يوسف موجه أول الرياضيات في إدارة التطوير والتنمية المهنية في وزارة التربية والتعليم بين أن استراتيجيات التدريس في حاجة إلى تغيير، بحيث تعتمد أكثر على الطالب واعتباره محور العملية التعليمية من خلال منحه وقتا أطول من الحصة التدريسية بهدف بلوغ أعلى درجات الاستفادة، ليتخرج طالب لديه القدرة على اتخاذ القرارات وحل المشكلات التي قد تواجهه، بالإضافة إلى قدرته على المنافسة في سوق العمل، انطلاقا من تعليمات صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي التي تقضي بجعل الطالب محور العملية التعليمية .
وفيما يتعلق باستخدام الآلة الحاسبة في العمليات الحسابية للطلاب، محل اعتراض الكثير من أولياء الأمور، أكد أنه لا يجب استخدامها إلا في العمليات الحسابية ذات الأرقام الكبيرة للتسهيل، إلى جانب توفيرها لعنصر الوقت، لافتا إلى أن الهدف في المقام الأول هو قياس مهارة الطالب وقدرته على التطبيق العملي وحل المشكلات .
ولفت إلى أنه يمنع استخدام الآلة الحاسبة للمراحل الدنيا من الصفوف، لأن الأساس فيها هو قياس مهارة الطالب .
وأشار إلى وجوب تغيير استراتيجيات التدريس بحيث تعتمد على المعلم بنسبة 20% فقط، بينما تعتمد على الطالب في نسبتها الأكبر بهدف بلوغ أقصى درجات الاستفادة، وقال إن المنهج لا يعد كثيفا إذا اتسم المعلم بالحنكة في تدريب طلبته على الحل والانسجام في المادة معه .
التعدي على اللغة العربية
وقالت أشجان إبراهيم مشرفة اللغة العربية في إحدى المدارس الخاصة: إن المناهج الجديدة تحتوي على عناصر قوة لم تكن متوفرة في السابق من مثل مهارات التحدث والاستماع، غير أنه لا يولي الأهمية الكافية للنحو خاصة للصف الخامس من الحلقة الأولى، وأطالب المعلمين الاهتمام بمهارات النحو والإملاء والقراءة في كل قطعة من الدرس، أما إذا كان هناك عيب في المنهج فعلى المعلم تقويم هذا العيب من خلال طريقته في تدريس المادة . كما أن الربط بين المواد مهم جدا، إذ إن معلم مادة العلوم أو الاجتماعيات مثلا يجب ألا يهمل خطأ إملائيا للطالب بل عليه تصحيحه ولفت انتباهه له، فيما لا تعتبر المهارات قاصرة على حصة بعينها، وإنما يعود ذلك لمهارة المعلم نفسه وكفاءته .
في حين أخذت هدى عاصم معلمة اللغة العربية على المنهج قلة المهارات النحوية مع تكرارها، وتقليل مهارات الإعراب، بالإضافة إلى كثافة المنهج وعدم كفاية الحصص، وتأخر وصوله من قبل الوزارة، غير أنه أكثر إثراء لمهارات الطالب الأخرى، لافتة إلى أن طبيعة التركيبة السكانية هي أحد أسباب التعدي على لغة الضاد .
من ناحيته أكد الدكتور محمد عيادات موجه أول اللغة العربية في وزارة التربية والتعليم أن المنهج الجديد يحمل في طياته الرؤى التطويرية المنشودة في مجالي بنائية المناهج وطرائق تدريسها، إضافة إلى طرائق التقويم وأدواته، مما أسهم بشكل مباشر في جعل المتعلم بؤرة ارتكاز العملية التعليمية، ومحورها الرئيسي، فيما منحت أوعية المناهج وما رتب عليها من تدريبات وأنشطة صفية ولا صفية قد منحت الطالب مساحة واسعة من التفكير والتحليل وحل المشكلات بأسلوب يعتمد على التعليم الذاتي والتعاوني المستند على الثنائيات والمجموعات والمناقشات والحوارات الجمعية التي تعظم العوائد التعليمية والتربوية .
وأضاف أن الممارسات الميدانية في مجال طرائق التدريس قد واكبت التطوير في بنائية المناهج ومكوناتها التي تكامل بين فروع المادة في المعارف والمفاهيم والمهارات وتعطي كل فرع حقه من العناية والمعالجات والتدريبات، التي تسهم في تحقيق النواتج المنصوص عليها في وثيقة المادة وفي منهاجها ومقرراتها الدراسية بأنشطة تعليمية يكون الطرف الغالب في تنفيذها الطالب بهدف اكسابه مهارات المادة واتقانها بالتركيز على كافة جوانبها، مشيرا إلى أن تكثيف دروس النحو والإملاء والتعبير لا يسهم في تجويد مخرجات التعليم للمادة بقدر التركيز على جوانبها كافة دون الآخر . وأشار إلى أن الوزارة تسعى في مناهجها وطرائق تدريسها إلى التيسير في تناول القواعد النحوية والصرفية والبلاغية والإملائية، بهدف الاهتمام بالجوانب العملية للمادة متجنبة القضايا الإشكالية والتعقيدات .
ودعا عيادات أولياء الأمور إلى ضرورة التعاون مع الوزارة في مساعدة أبنائهم بأسلوب تربوي علمي، لافتا إلى أن الارتقاء بمضامين اللغة العربية يتطلب تضافر أقطاب القائمين على تدريسها إلى جانب المجتمع ليخرج المادة عن إطار الجمود الذي وسمت به ظلما
تحقيق: ميرفت عبد الحميد