عبد العزيز إيوي الكاتب العام للنقابة الوطنية للتعليم « ف.د.ش»
«أي دور لأسرة التعليم و النقابات التعليمية في مساعدة المدرسة العمومية على استرجاع الثقة المفقودة فيها»
إن عنوان هذا المحور يطرح بدوره عدة تساؤلات: من المسؤول عن فقدان الثقة في المدرسة العمومية؟ و هل يستطيع امرأة أو رجل التعليم لوحده أن يعيد الثقة المفقودة؟ و ما هي الأسباب و العوامل التي جعلت المدرسة تفقد الثقة التي كانت فيها؟ ثم ما هي العوامل التي أدت بالأستاذ نفسه إلى فقدان الثقة بنفسه و برسالته.«أي دور لأسرة التعليم و النقابات التعليمية في مساعدة المدرسة العمومية على استرجاع الثقة المفقودة فيها»
إنها أسئلة متداخلة و مركبة ، لكن الجواب عنها يشكل مدخلا من أجل المساهمة في تحديد الدور الذي يمكن أن يلعبه رجال و نساء التعليم، و النقابات التعليمية من أجل استعادة الثقة في منظومتنا التعليمية العمومية.
في البداية لابد أن نسجل أن المدرسة العمومية التي أرستها الحركة الوطنية شكلت مكسبا أساسيا ضمن المكتسبات التي تحققت مع بداية الاستقلال . و كان الفاعل السياسي آنذاك ينظر إلى المدرسة العمومية بشكل واضح لدور المدرسة، و يعتمد عليها لدعم المجهود التنموي لإخراج البلاد من الأمية و التخلف و مد المغرب بالأطر من مختلف التخصصات لخدمة المغرب.
و رغم ضعف الإمكانيات المالية فقد لعبت المدرسة المغربية العمومية دورا بارزا في مد المغرب بالأطر التي يحتاج لها. و قد احتل المدرس « ة « مكانة اجتماعية اعتبارية تفوق دخله المالي. بل كرست العديد من النصوص المدرسية آنذاك هذه الصورة الإيجابية للمدرس الذي كان قدوة للصغار. و بالرغم من وجود القطاع الخاص التعليمي منذ مرحلة الاستعمار فيما كان يسمى بالمدارس الحرة فلم يكن له دور يذكر في هذه المرحلة .
بعد ذلك جاءت مرحلة «مخطط إعادة الهيكلة» الذي فرضه البنك الدولي على المغرب منذ بداية الثمانينات من القرن الماضي بدعوى أن المغرب كان يستهلك أكثر مما ينتج. و كانت انعكاساته المباشرة و غير المباشرة على قطاع التعليم واضحة كالآتي:
- تقليص المناصب المالية المخصصة للقطاع
- تقليص المدة الزمنية المخصصة للتكوين الأساس للمدرسين في مراكز التكوين أو المدارس العليا .
- اللجوء في مراحل أخرى إلى التوظيف المباشر تحت ضغط احتجاجات العاطلين ذوي الشهادات.
- زيادة ساعات عمل المدرسين تحت غطاء دعم المجهود التضامني مع القضية الوطنية .
- تشجيع التماطل و التهاون وسط شغيلة التعليم بالقول أن بإمكانهم العمل لعدة سنوات بنفس التحضير، مما أفرغ عمل المفتشين من هدفه.
- تقييد المبادرة البيداغوجية لنساء ورجال التعليم داخل القسم من خلال فرض إنجاز مقرر سنوي محدد بغض النظر عن مستوى و حاجيات التلاميذ بتهم واهية موجهة ضد أسرة التعليم.
- فرض كوطا سنوية لنجاح التلاميذ بغض النظر عن مستواهم و ذلك بهدف التخفيف من مصاريف الدولة الموجهة للقطاع من خلال تقليص الميزانية المصروفة على كل تلميذ . و هي عملية أدت إلى إفقاد نساء ورجال التعليم لأية سلطة تقديرية و تربوية على تقييم تعلمات التلاميذ، و أفرغت مجلس القسم من محتواه بحيث أصبح شكليا.
- الإهمال التام الذي تعرضت له البنية التحتية للقطاع بشكل أضعف صورتها الاجتماعية و الاعتبارية في نظر المجتمع ، و أدى إلى تعذر استعمال أكثر من 10.000 حجرة دراسية ( حسب إحصائيات الوزارة).
- الاكتظاظ المتواصل للأقسام الدراسية و أثره السلبي على التحصيل الدراسي و على ظروف عمل المدرسين.
-ارتفاع عدد العاطلين من حملة الشواهد العليا بشكل أصبحت توجه فيه أصابع الاتهام للمدرسة على أنها تنتج العاطلين.
-انحسار دور الإدارة التربوية في مهمة تدبير المشاكل داخل المؤسسات بشكل
أصبحت “الإدارة الناجحة” هي الإدارة التي لا ترفع تقارير و لا مشاكل للنيابات أو الوزارة. و هو ما حرم الإدارة بالمؤسسات من كل دعم أو مساندة و ترك المدراء وحيدين في مواجهة مشاكل الأساتذة و مشاكل التلاميذ.
- إهمال الأوضاع المادية و الاجتماعية لموظفي القطاع (الترقية الاستثنائية..)
- تقليص دور التفتيش التربوي في منح النقط لأجل الترقي بسبب نقص عدد المفتشين.
- إلغاء أي دعم اجتماعي لأبناء الطبقات الفقيرة، حيث تم إغلاق المطاعم المدرسية ، و ألغيت الخدمات الطبية الأولية بالمؤسسات التعليمية ، و فرضت رسوم سنوية للتسجيل تتزايد سنويا، كما فرض على الأسر تغيير سنوي للكتب المدرسية و هو ما أدى إلى ارتفاع التكلفة السنوية المخصصة لكل طفل داخل الأسر المحدودة أو المنعدمة الدخل. هذا الوضع أدى إلى عجز عدة أسر عن توجيه أبنائها نحو التمدرس.
- تقليص دور النقابات في الجوانب المطلبية الخاصة بالعصر البشري.
- تهميش أي دور للنقابات في مجالات أخرى تهم المنظومة التعليمية من برامج و مناهج و كتب مدرسية، أو التكوين أو التكوين المستمر للأساتذة أن تلك المجالات ليست من اختصاصها و هو مبرر مفتعل لإبعاد أية إمكانية للمشاركة أو المراقبة.
هذه إذن هي صورة مختصرة للمدرسة العمومية المغربية في نهاية القرن العشرين الذي تزامن من خروج المغرب من البرنامج التقشفي الذي فرضه البنك الدولي عليه منذ بداية الثمانينات . و هي الوضعية التي مازلنا نعاني من نتائجها رغم دخول المنظومة في صيرورة إصلاح منذ 10 سنوات.
في المقابل نلاحظ نموا متواترا للمدرسة الخصوصية التي استهدفت شريحة اجتماعية معينة و في شريط جغرافي معين ، و ذلك بفعل :
- التسهيلات الحكومية ( إعفاءات ضريبية)
- السماح باستخدام أطر التعليم العاملة بالمدرسة العمومية و غض الطرف عن الاستخدام المبالغ فيه خارج أي إطار قانوني ، مما يشكل منافسة غير متكافئة و غير شريفة.
- تجاوب القطاع الخاص مع جزء من حاجيات المقاولة مما سمح بتشغيل سريع للتلاميذ المتخرجين من المدارس الخصوصية أكثر من نظرائهم خريجي المدرسة العمومية ، و هو ما زرع الاعتقاد الخاطئ بأن المدرسة العمومية تخرج العاطلين.
بعض الخلاصات الأولية
من خلال هذا التشخيص الأولي يتضح ما يلي:
- إن فقدان الثقة في المدرسة العمومية هو مسلسل تتحكم فيه عدة حلقات و عوامل خارجة عن المنظومة، و داخل المنظومة.
- إن إرجاع الثقة في المدرسة العمومية هو أيضا مسلسل يحتاج إلى وقت و إلى تضافر الجهود لكل المعنيين بهذه المدرسة.
و على المستوى النقابي
- يلزم أن تتجاوز الوزارة و الحكومة المنظور الضيق للعمل النقابي المنحصر في ما هو مطلبي و الارتقاء إلى مقاربة شمولية يكون فيها الهاجس الديمقراطي هو الحاضر، و تجاوز المنظور الذي لازال حاضرا في محيط الحكومة و الوزارة و الذي يعتبران النقاش مع النقابات هو مضيعة للوقت.
-النقابات من جهتها في حاجة لتأهيل نفسها بخوض مناقشة مسؤولة لكل جوانب المنظومة التربوية في إطار تكريس الدمقرطة و الشراكة المؤسساتية . و هذا يتطلب وقتا و إمكانيات.
- إن النقابات هي أيضا في حاجة إلى ميثاق يجمعها من أجل حماية المدرسة العمومية من كل خطر أو ممارسة مشينة تهدد سمعتها حتى و لو كانت صادرة من داخل مكوناتها (الغش، التهاون، الساعات الإضافية، الرخص الطبية، العياب غير المبرر ...)
- و على مستوى الدولة فيلزم أن يكون هناك اختيار سياسي واضح يقطع مع السياسات القديمة القائمة على تمزيق و تفتيت الحقول السياسية و الاجتماعية لتسهيل التحكم فيها. فالحقل التعليمي لا يمكنه أن يحتمل مزيدا من التفتيت لأن هذا الواقع يجعل النقابات عاجزة عن أداء أدوارها التأطيرية و التفاوضية و التمثيلية بشكل فعال.
يلاحظ هزالة الزيادات بالنسبة للسلاليم المتوسطة التي تشكل قاعدة عريضة في القطاع و التي تلقى عليها مهمة النهوض بأهم مرحلة في إصلاح المنظومة التعليمية (الابتدائي و الإعدادي )
· إعطاء هامش من المبادرة للإدارة التربوية و رجال التعليم داخل المؤسسات التعليمية لاتخاذ مبادرات تربوية تتجاوب مع الحاجيات التعلمية للتلاميذ.
·حسم المنافسة غير المتكافئة من طرف القطاع الخاص بمنع الساعات الإضافية .
· الرفع من أعداد المدرسين لتلبية الحاجيات المتزايدة على المدرسة العمومية. فقد أثبتت دراسة قامت بها وزارة التربية الوطنية سنة 2007 أن حجم الحاجيات السنوية من الموارد البشرية إلى حدود 2018 يصل إلى 10.600 أستاذ في السنة.
و على المستوى العام (خارج المنظومة)
تحتاج المدرسة العمومية لكي تؤدي دورها التنموي إلى أن تندرج في سياق تصور مجتمعي شامل يتضمن وضوحا في الأهداف الاقتصادية و الاجتماعية و الثقافية... لكي تلعب دورها الداعم للمجهود التنموي.
إن المدرسة العمومية لا يمكنها أن تكون تابعة لحاجيات السوق الاقتصادية التي يتحكم فيها الاستثمار الخاص، لأن هذه السوق يغلب عليها كثرة التقلب و تغيير الأولويات بسرعة تبعا لاحتمالات الربح و الخسارة في المدى القصير. و هي ميولات لا يمكن للمنظومة التعليمية أن تسايرها كما هو شأن التكوين المهني . ذلك أن المدرسة العمومية ليست فضاءات شاسعة للتكوين المهني. إن وظيفتها هي خدمة المجتمع برمته و خدمة أهدافه العليا الاستراتيجية التي تجاوز الأهداف الخاصة للمستثمرين.
- أن إرجاع الثقة في المدرسة يتطلب من جهة استعادة الثقة لمكونات المنظومة في أنفسهم و في دورهم المهني (مفتشون، إدارة تربوية ، أساتذة ) من خلال:
- تحيين و رفع مستوى التكوين وسط الشغيلة التعليمية
- رفع مستوى تكوين الإدارة التربوية و دعم سلطتها داخل المؤسسة
- العمل على جعل قطاع التعليم يستقطب الأطر الكفأة خريجة المدرسة العمومية بدل تحويله إلى آخر ملجأ من البطالة، و ذلك بتحسين وضعية الأجور و خلق تحفيزات. فالملاحظ أنه رغم الزيادات المباشرة و غير المباشرة التي أقدمت عليها الحكومة منذ 2008 لازالت أجور فئة عريضة من شغيلة التعليم متدنية .
جدول الزيادات في أجور موظفي القطاع العام إثر القرارات الحكومية في أبريل 2008
الاتحاد الاشتراكي