هل التوجيه التربوي من اختصاص المدرس؟
تنفيذا للمشروع السابع من المجال الثالثE3P7 من البرنامج الاستعجالي للوزارة الخاص بتنظيم مجال الاستشارة والتوجيه، نظمت نيابة الناظور دورة تكوينية، حضرها بعض الأساتذة في مختلف المستويات والتخصصات، وذلك يومي 16 و17 دجنبر 2009، بثانوية محمد الخامس التأهيلية بالناظور. ولعل أول ما يثير في هذه الدورة التكوينية موضوعها، المرتبط بمجال الاستشارة والتوجيه.قلت هذا الموضوع مثير، لا لأنه جديد في النظام التربوي، فأغلب المدرسين يعرفون- على الأقل سماعا- أن هناك موجهين تربويين، مهمتهم الأساسية توجيه المتعلمين ومساعدتهم قصد اختيار شعبة تناسب ميولاتهم وقدراتهم المعرفية وكذا طموحاتهم . لكن الموضوع مثير لكونه يبدو بعيدا عن اختصاص المدرس، أو على الأقل هكذا كنا نظن فيما ما مضى من حياتنا التعليمية. فهل بات التوجيه التربوي من اختصاصاتنا؟ الحق أن الموجهين التربويين الذين ألقوا دروسهم في هذين اليومين لم يقولوا لنا شيئا بخصوص هذه النازلة. بيد أنه يبدو أن المدرسين أحسوا هذه المرة بأن الهوة تزداد مسافات مسافات بين مهمتهم المألوفة وما يُكَوَّنُون فيه في هذه الدورات التكوينية، لذلك كان تعبيرهم عن رفض موضوع هذا التكوين قويا، رجت له جدران القاعة رقم 2. ويظهر أن الرفض منطقي إذا لم يكن التوجيه التربوي من اختصاص المدرس، فالمدرس يحسب لحد الآن أنه ليس مسموحا له، أن يوقف الدرس، ليقول لمتعلميه، أنصتوا! سأحدثكم اليوم عن التوجيه التربوي، أي سأذكر لكم الشعب العلمية والتقنية والأدبية الموجودة في بلادنا، كما سأذكر لكم شروط القبول في هذه الشعب وآفاقها... وهنا نعيد السؤال الأول بشكل آخر هل للمدرس معرفة بهذه المسائل؟ بالطبع لا. لكن ألم يُكوّن المدرسون لمدة يومين في التوجيه التربوي؟ بلى.
إن النظر بعين العقل في مسألة التكوين في التوجيه التربوي، يكشف أن الموضوع يدل على أن هناك فعلا ضبابية وتخليطا، فالتوجيه بهذا المعنى لا يسطيع المدرس أن يقوم به، بل ليس مسموحا له أن يوقف الدروس ليحاضر في التوجيه. وعلى هذا فالتوجيه بهذا المفهوم الاصطلاحي بريء من المدرس، والمدرس بريء منه. ومع هذه النتيجة السلبية لا بد من أن نسأل سؤالا هو: ما فائدة هذا التكوين البعيد عن اختصاص المدرس؟ لم لا يكون المدرس فيما له صلة متينة باختصاصه؟ لم لا يكون في نظريات التدريس؟ لم لا يكون في قضايا علم النفس التربوي؟ لم لا يكون في كيفية خلق الرغبة عند المتعلم؟ ...
الجواب هو أن فائدة هذه الدورات التكوينية فائدة تواصلية، بمعنى أن الأساتذة يصلون بعضهم البعض، بعد أن طالت مدة الغياب، فيسألون عن أحوال بعضهم البعض، سواء تعلق الأمر بالأحوال الشخصية أم بالأحوال المهنية. وهذه سنة حميدة نرجو أن تستمر، ولعل أحوج فئة لهذه اللقاءات التواصلية هي الفئة البدوية، من ذلك أهل عين الزهراء وتروكت وغيرهما. على كل حال لن يعود المُكَوَّنُ صفر اليدين من هذه الدورات. وهذه الفائدة التواصلية هي التي تهدئ من غليان الأساتذة فأن يتواصل المدرسون هذا التواصل أحسن من لا شيء.
هكذا اتفق الأساتذة أن مضامين هذه الدورة التكوينية لا يمكن أن تطبق، بل هي من المعلومات العامة التي يستحب للمدرس أن يعرفها هذه المعرفة المستعجلة. إننا لا ننكر أهمية التوجيه وخطره في حياة المتعلم، ففعلا ينبغي أن يوجه المتعلم توجيها صحيحا، وينبغي أن يعد المتعلم منذ البداية لمشروع شخصي، لكن هذا يتطلب شخصا كفئا في هذه المجال، وهو الموجه التربوي. ويظهر أن الخصاص في أطر التوجيه هو الدافع الخفي لهذا التكوين وأمثاله، فما قيل عن دفتر التتبع الفردي يقال الآن عن مسألة التوجيه والإرشاد.
إن المشروع الشخصي للتلميذ من أفيد ما قيل في هذه الدورة التكوينية، فالمشروع الشخصي يجعل التلميذ على بينة مما يريد أن يحققه في حياته التعليمية، وتوجيه المتعلم إلى التفكير في هذا المشروع الشخصي مبكرا، يوفر الوقت ويحدد مجال البحث والجهد عند المتعلم، فمن كان يرغب في أن يصبح طبيبا مثلا فعليه أن يوجه اهتمامه منذ البداية إلى هذا المشروع، وتحديد المشروع الشخصي سيخلق الرغبة في البحث والاستطلاع، ويظهر أن المشروع الشخصي للتلميذ سيساهم في القضاء على العبثية والعشوائية التي تسود الحياة التعليمية للمتعلم. فالغالب أنه لا يفكر فيما يرغب فيه إلا بعد الحصول على شهادة الباكالوريا.
غير أن هذا المشروع الشخصي لا يخلو من صعوبات، فاختيار المهنة كاختيار الزوجة. وغير خاف أن هذا النوع من الاختيار ليس سهلا، فمن الأمور التي ينبغي وضعها في الحسبان احتمال فشل المشروع الشخصي، لذا ينبغي وضع اختيارات احتياطية للجوء إليها في حالة فشل الرغبة الأولى، فإذا فشل مشروع الطب مثلا ينبغي أن يكون المتعلم مستعدا لاستبداله بمشروع آخر.
" وبصفة عامة يتطلب المشروع الشخصي معرفة كافية بثلاث مكونات أساسية: الذات، مسالك الدراسة والتكوين،والمهن. وهذا يعني الإجابة على أسئلة من قبيل:
* ما هي المهن التي أميل إليها؟
* ما هي المسالك الدراسية التي تؤِدي إليها؟
* هل أتوفر على مؤهلات لهذه المسالك؟
* هل تسمح قدراتي ونتائجي بمتابعة التكوين لهذه المهن؟
* هل يسمح وضع عائلتي باستكمال الدراسة والالتحاق بهذه المهنة؟"
ومن حسنات هذه الدورة التكوينية أن الأساتذة حصلوا على قرص مضغوط يحتوى على مواد التكوين، وهذا تقدم ملموس في الوسائل التعليمية المتبعة في التكوين المستمر، إذ كانت الأوراق التقليدية سيدة هذه الوسائل، مع العلم أن هذه الأوراق لا تسلم للأساتذة إلا في قاعة التكوين، وهذا لا يليق، فطبائع الأشياء تقتضي أن يتوصل المكوَّنون بتلك الأوراق قبل التكوين كي يطلعوا عليها، وهذا ما سيسمح بالحوار والنقاش، لكن جرت العادة أن يحضر المدرسون إلى قاعات التكوين كما يحضر المتعلمون المتهاونون بلا كتاب ولا دفتر ولا تحضير.
احميدة العوني- عين الزهراء-الناظور-