الترقي الأوتوماتيكي هو المدخل الحقيقي لانجاح الاصلاح في أبعاده الهندسية والتحفيزية والتدبيرية
لايمكن تحقيق أي تقدم في مجال الإنتاج المادي أو الفكري أوإحراز أية انتعاشة في المردودية الداخلية والخارجية لأي نظام عمل إلا بخلق التوازن بين ثلاثة عوالم أساسية عالم الأفكار وعالم الأشخاص وعالم الأشياء والبحث عن صيغة توليفية تشكل القوة الأساسية البانية للإنسان ولحركة الآلة في نفس الآن . تستدمج مجموع القوى من قوة مادية وقوة روحية وقوة فكرية وقوة ابتكارية وقوة مهنية احترافية للمورد البشري في أفق إرساء حكامة تدبيرية توفق بين تدبير الزمن وتدبيرالمكان واستغلال الطاقة الحيوية للعنصر البشري وهذا ما انتبه إليه الظهير الشريف رقم1.58.008 بشأن النظام الأساسي العام للوظيفة العمومية الذي يتضمن سبعة أبواب و89 فصلا حيث ينص الباب الثالث على حقوق وواجبات الموظفين كالترسيم والأجرة والنقط والترقية...ونظرا لأهمية الترقية كداعم أساسي لمدخل تحفيز الموارد البشرية لإنجاح أية عملية إصلاحية والارتقاء بجودة مخرجاتها سنعمل على استنطاق بعض مواد الفصول 28 و 29 و30 تعطى في كل سنة للموظف المباشر لوظيفته أو الملحق بإدارة أخرى نقط بالأرقام مصحوبة بنظرة عامة يفصح فيها عن قيمته المهنية ،ولا يختص بحق إعطاء النقط المذكورة إلا رئيس الإدارة. وتوضع هذه النقط على بطاقة سنوية معدة لهذه الغاية تضاف إلى ملف كل موظف. ويخبر المعنيون بالأمر بالنقط التي تعطى لهم بالأرقام كما تخبر بذلك اللجان الإدارية المتساوية الأعضاء. ويمكن لهذه اللجان أن تطلع كذلك على الملاحظات العامة. يتعرض الفصل 28 إلى تلازم نظرية الحق ونظرية الواجب في مجال الشغل. فلا يحق للموظف المطالبة بحقه إلا بعد أداء واجبه. كما يتوجب على الرئيس أن يقوم عمل مرؤوسه بالشكل الذي يحفزه على الإنتاج وتحسين المنتوج ويحسسه بالأمان ويقدم له من الضمانات للاستمرار في عمله عملا بمبدأ النظرية اليابانية في حقل الشغل " العمل مدى الحياة".
ويتعرض تقييم الأداء المهني لاستعداد الموظف للتقدم في عمله وللمجهود الذي بذله فتمنح له درجة رقمية تعكس مردود يته وإشعاعه ومواظبته وانضباطه مع مقتضيات الحياة المهنية وقد ترفق النقطة برسالة شكر أو شهادة تقدير تضاف إلى نهجه السيري المهني . وبما أن منح الرئيس لنقطة لمرؤوسه يعتبر قرارا إداريا فرديا في عرف القانون الإداري يتعين تبليغه فإن تعليل هذا القرار واجب حسب للدكتور الكتاني في كتاب القرارات ص58 .وفي حال تخفيض النقطة وتوقيع جزاء على المرؤوس فمن حق الموظف معرفة الأسباب الدافعة إلى هذا الإجراء والاطلاع على حيثياته وعلى ضوئه يبني تظلمه ودفوعه ومسعاه للمطالبة بالانصاف.ونظرا لأهمية التحفيز في الارتقاء في درجات سلم الجودة والتحكم في الأداء توصي الفصول 29 و30 و31 و32 و33 و34 و35و36 بضرورة تمكين الموظف من حقه في الترقي من طبقة إلى طبقة ومن درجة إلى درجة ومن رتبة إلى رتبة من مدخل الاختيار أو عبر المباراة أو الأقدمية أوالنقطة لتحسين دخله والارتقاء في منصبه ولايتأتى ذلك إلا بتقييده حسب ترتيب الأحقية في لائحة الترقي من طرف السلطة التي لها حق التسمية ثم إطلاعه على اللوائح التي تعرض على لجان الترقي خلال آجال محددة. وفي حال تساوي الموظفين في الأحقية يرتبون بحسب الأقدمية. وعند انصرام العام وعدم شغل المناصب بكاملها يمكن إضافة لائحة تكميلية. والمتأمل في أبعاد هذه الفصول يكتشف مقاصد المشرع في تأمين الموظف لمساره المهني وتحفيزه بصيغ متعددة كالمباراة والنقطة والأقدمية واعتبار الشهادة والدبلوم في الترقية وتغيير الإطار.
لكن ما تنهجه الوزارة الوصية من خلال عدم التقيد بمقتضيات الحوار الاجتماعي الأخير خاصة اتفاقية فاتح غشت 2007 التي رفعت نسبة الحصيص إلى 21 في المائة بينما الوزارة لم تتجاوز عتبة 14 في المائة يتنافى مع مسعى تأمين نجاح البرنامج الاستعجالي الذي يقتضي الإمعان والحكمة في اتخاذ جميع تدابير التحفيز من ترقية أوتوماتيكية دون حصيص و ضرورة اعتبار الدبلوم في الترقية وتغيير الإطار دون استثناء فئة من دون فئات أخرى ومن غير الكيل في حملة شهادة الإجازة بمكاييل فمنهم من استفاد من تغيير إطاره ومنهم من ينتظر ومنهم من صنف في السلك التأهيلي ومنهم من أدمج في السلك الإعدادي ومنهم من يحسب على التعليم الابتدائي فإن كانت في الإصلاحات الماضية أخطاء فقد آن الأوان لتصحيحها فليس من العيب استدراك الهفوات. ولعل أكبر هفوة ينبغي أن تزول هي وضع سقف للترقي بالنسبة لأساتذة التعليم الابتدائي وأساتذة التعليم الثانوي الإعدادي يحد من طموحهم وينال من دافعيتهم وعطائهم فلا يعقل أن ينحد مسارهم المهني عند درجة تمت تسميتها بالممتازة وهي ليست ممتازة فهي لاتناظر مرحلة إنتاجهم ولا تقدر حجم تضحياتهم وتفانيهم في أداء الخدمة ولا تحفزهم على المزيد من العطاء في نهاية مسارهم المهني لأنها ببساطة لاتوازي درجة خارج السلم فهذا إجحاف في حقهم لا يوازيه إلا إجحاف عدم وضع إطار قانوني لأطر الإدارة التربوية يحدد مهامهم واختصاصاتهم بحسب ماتقتضيه المستجدات والمقاربة بالتدبير .
فالتدبير الحقيقي ينطلق من العناية بالموارد البشرية وتأهيلها تأهيلا وظيفيا بشكل متين ومستمر دون مناسبات أوظرفيات وهذا هو الاستثمار المفيد لربح رهان إنجاح البرنامج الوطني الاستدراكي لتفادي أخطاء إصلاحات 1957 و1985 و1999 2000... في أبعادها الهندسية والتحفيزية والتدبيرية.
وجدة سيتي
محمد ابراهيمي