أزمة التعليم ببلادنا أزمة بنيوية
جانبت عدة أقلام و رؤى الصواب حينما اعتقدت بعض نظريتاها أن المشكل يكمن أساسا في تقادم البرامج و المناهج الدراسية فيما رأت نظيرتها أن الصعوبات تكمن في الطرائق البيداغوجية البالية و تأهيل الفضاءات التربوية العتيقة مما يعني أن العملية التدريسية في حاجة إلى أدوار وظيفية و تنشيطية جديدة لا يمكن الحصول عليها إلا بإعادة تكوين المدرس تكوينا رصينا يتماشى و التحولات التي يشهدها العالم في مجال العلوم والمعرفة و على رأسها علوم التربية. هذه الأدوار التي تدعم المبادرة و الدينامكية في صفوف المتعلمين و تجعلهم محور العملية التربوية أي عكس ما كان عليه الوضع في المدرسة التقليدية و منها من استخلص أن أكبر العوائق التي تقف سدا منيعا في وجه المسار الدراسي للمتعلم المغربي هي مثبطات = سوسيو اقتصادية وسوسيو ثقافية بالدرجة الأولى أي أن نسبة كبيرة من التلاميذ تنقطع عن الدراسة لأسباب اجتماعية واقتصادية محضة كالفقر والبعد عن المدرسة و توتر العلاقة بين الأب و الأم إن لم نقل تجميدها أو فسخها = الطلاق = بالإضافة إلى ذلك هناك عامل مركزي في تحبيب المدرسة للمتعلم أو تخليه عنها و هو عامل ثقافة البيئة التي يتواجد داخل أحضانهاالمتعلم و يتأثر بما يروج على رحابها = انظر دراسات جورج موكو و ماكس فيبر في هذا الباب = إذ بقدر ما كانت ثقافة هذه البيئة سليمة و بناءة بقدر ما كان هذا الأخير آلة منخرطة في كل أوراش المؤسسة و مشعلا منيرا في الحجرة الدراسية سواء في بناء المعارف و التعلمات أو في إغناء الحوار و المشاركة.
ثم بقدر ما كان محيطه الاجتماعي و البيئي غير مهتم بشؤون الطفل الدراسية و لا يشجعه عليها بقدر ما كان هذا الأخير غير منجذب نحوها و لا منشغل بما يجري داخلها أو خارجها .
بل على العكس هذه الثقافة لا تذكي في خواطره و مشاعره إلا العنف و السلوكيات اللامدنية و اللامبالاة و صدق من قال أ ن تلوث الفكر من تلوث البيئة وأن الأديب ابن بيئته.
من خلال تأملنا للنظريات والتصورات السابقة الذكر يمكننا أن نستنتج أن أزمة نظامنا التعليمي هي أزمة بنيوية تتداخل عواملها وعناصرها مع بعضها إلى درجة يصعب فيها عزل عنصر عن آخر و الاختلالات التي رصدها المجلس الأعلى للتعليم سواء المشخصة في ظاهرة الغياب أو في التكرار اللذان يتمخض
عنهما إشكال الهذر المدرسي هي خير مثال في هذا الباب ناهيك عن ظاهرة الاكتظاظ و تأهيل الفضاءات الدراسية وما تخلفه من آثار سلبية على نفوس المتعلمين.
إنها إشكاليات كبيرة و رغم تباينها فإننا لا نستطيع معالجة كل عنصر من هذه المنظومة في معزل عن آخر.
وبناء عليه يمكن القول أن نجاح العملية التدريسية و النهوض بالمدرسة الوطنية رهبن بأهل المتعلم المغربي و جعله محور الاهتمام و قطب المبادرات و الاوراش الكبرى و هذا لن يتأتى بطبيعة الحال إلا بتأهيل المؤسسات التعليمية العمومية والارتقاء بصيانتها و تجهيزاتها و خدماتها أي الارتقاء بتدبيرها مع ضمان انفتاحها على محيطها الخارجي .
و في اعتقادي المتواضع أن المؤسسة التعليمية التي تمتلك آليات التواصل و تقنيات تدبير شؤونها الداخلية من أنشطة تربوية و ثقافية و رياضية و أنشطة دعماتية لتقوية الضعف الحاصل لدى المتعلم سواء خلال الفترات البينية أو خلال يوم المراجعة و المؤازرة و سواء في مادة الحساب أو الفرنسية أو اللغة العربية هي مؤسسة ناجحة بكل المقاييس و تساهم إلى
حد بعيد في تحبيب أجواء الدراسة لدى تلاميذها مما يبعث في نفوسهم الحماس و التحفيز نحو المزيد من العطاء و الجد وهذا من دون شك يقلل من فرص الغياب و التأخرات و التكرار و أخيرا الهذر المدرسي الذي يعتبر بإجماع المربين و الباحثين في ميدان التربية و التعليم أم العلل و المعضلات التربوية في الألفية الثالثة .
أما ظاهرة الاكتظاظ الفظيعة التي صارت حديث الخاص و العام حديث المثقفين و الأميين في السنين الأخيرة فمعضلتها= و للأسف= لا ترتبط بالشأن الداخلي للمؤسسة و من تم صار جليا أن تعيد وزارة التربية الوطنية نظرها في المذكرات التي سبق نشرها في هذا المضمار =45 تلميذ في القسم = لأن الاكتظاظ قوض مساعي نجاح العملية التدريسية و أفشل جهود و رهان مسلسل إصلاح منظومتنا التربوية .
و تأسيسا على ما سبق نقول,إن صعوبات التعلم و عدم قدرة منظومتنا التربوية على تأهيل المتعلم المغربي للمستقبل تبدأ صعوباته و أسبابه من الوسط الأسروي للمتعلم لتمر بالمحيط البيئي و الاجتماعي الذي يراكم فيه المتعلم العلاقات و التجارب و التواصلات و لتنتهي بالوسط المدرسي الذي يختلف اختلافا شاسعا على
الوسطين السابقين الذكر لأنه وسط تتقيد فيه حرية المتعلم وفق القوانين الداخلية المعمول بها .
لكن كلما كانت الرسالة التربوية التي تقدمها المؤسسة لتلاميذها فعالة ومنفتحة قريبة من واقعه الاجتماعي و الثقافي=انظر دراسات جزافييه روجرز في هذا الصدد= إلا و تعلق المتعلم بها و أصبحت حلمه اليومي الذي لا يفتر لسانه عن الحديث عليها و كلما كانت الآليات البيذاغوجية متعثرة و تقليدية انشغل المتعلم بعالمه الخارجي =الشارع= وأدار بالمقابل ظهره للمدرسة و كل ما يأتي من نواحيها.
فإلى متى القبول بالمقاربات الجزئية؟
مجلة المدرس