انطلاق الإعداد للامتحانات التجريبية لمترشحي الباكلوريا وسط تخوفات الأسر من ظروف إجراء الاختبارات الرسمية
استمرار ظاهرة الغش و«النفخ» في نقط المراقبة المستمرة ومؤسسات خصوصية تحذف أو تنقص من الحصص الدراسية لمواد غير مبرمجة للاختبار وتضيفها إلى مواد أخرىبوشعيب حمراوي
بدأ العد العكسي بالنسبة إلى التلاميذ والتلميذات المترشحين لاجتياز الامتحانات الوطنية والجهوية من أجل الظفر بشهادة الباكالوريا، وبرزت معه الاضطرابات النفسية لدى التلاميذ وأسرهم، والناتجة عن هواجس التخوف
من مضامين الأسئلة المنتظَرة وظروف وأجواء إجراء تلك الامتحانات وما مدى الإعداد لها، واستمرار ظاهرة الغش و«النفخ» في نقط المراقبة المستمرة، ولجوء مؤسسات خصوصية إلى حذف أو النقص من الحصص الدراسية لمواد غير مبرمجة للاختبار وإضافتها إلى مواد أخرى.
41 يوما تفصل المترشحين عن موعد تلك الاختبارات التي والذين سيخوضون ابتداء من الثلاثاء المقبل امتحانات تجريبية وإعدادية لها. وكانت الوزارة الوصية قررت إجراء الاختبار الموحد الخاص بالدورة العادية لتلاميذ السنة الختامية باكالوريا أيام 8 و9 و10 يونيو 2010، فيما تجرى الامتحانات الجهوية الموحدة لنفس الدورة والخاصة بالمترشحين الأحرار وتلاميذ السنة الأولى باكالوريا يومي 12 و14 يونيو، على أن يتم الإعلان عن نتائج الدورة العادية يوم 22 يونيو. وتبقى للراسبين المترشحين لإجراء اختبارات الدورة الاستدراكية فرصتهم الثانية في النجاح باجتياز الامتحان الوطني أيام 6 و7 و8 يوليوز والجهوي يومي 9 و10، على أن تعلن النتائج يوم 17 يوليوز. وحسب تصريحات مجموعة من التلاميذ، فإن الاختبارات التجريبية التي كانت تجرى خلال شهر أبريل، لم تكن ذات جدوى، فمن جهة أكدوا أنهم كانوا يمتحَنون في دروس دون أخرى وبأن تلك الامتحانات التجريبية كانت تشبه الفروض والواجبات المحروسة العادية التي تدخل في إطار المراقبة المستمرة.. ومن جهة أخرى فإن التلاميذ يجرونها دون بلامبالاة، على اعتبار أنها لا تُحتَسب في التقييم الرسمي، ولو أن بعض المدرسين كانوا يُلزِمون تلامذتهم بإجرائها على أنها تدخل ضمن نقط المراقبة المستمرة. وثمَّن التلاميذ فكرة إجراء الامتحانات التجريبية بداية شهر ماي، حيث يكون معظم المدرسين قد أتموا تلقين الدروس المقرَّرة، وتكون الأسئلة المطروحة شاملة لكل الدروس.
تلعثم «سعيد» من المحمدية، والذي يتابع دراسته في الثانية باكالوريا آداب عصرية، قبل أن يكشف لـ«المساء» عن معاناته مع كثرة الدروس في بعض المواد، وتخوفه من أن يصادف أسئلة مبهمة أو بعيدة عما تلقاه طيلة الموسم الدراسي، وزاد تخوفه من استفحال ظاهرة الغش (النقلة)، وكيف أن الظاهرة تشوش على تفكير الممتحَنين، وتحد من تركيزهم، مؤكدا أن مجموعة من زملائه بدؤوا يُعِدّون العُدّة من الآن، لإعداد طرق ووسائل الغش... وأضاف أن المراقبين والمشرفين، من أطر إدارية وتربوية (كان الله في عونهم) غير قادرين على محاربة الظاهرة، بل إن منهم من يدعمها!...
فقد دخلت ظاهرة الغش خلال الامتحانات المحلية الجهوية والوطنية لنيل شهادة الدروس الابتدائية أو الإعدادية أو الباكالوريا، منعطفا خطيرا، بتواطؤ مع بعض المدرسين، وتزكية من بعض المسؤولين محليا وجهويا ووطنيا، وبدأت «عدوى» الظاهرة تنخر عقول الممتحَنين والممتحَنات، نتيجة للصمت القاتل الذي تمارسه الجهات المسؤولة، بمختلف درجاتها، وللتوافق اللاشعوري الذي تساهم فيه فعاليات المجتمع المدني، لتصبح الظاهرة حقا مشروعا ينادي به التلاميذ المتعثرون دراسيا، إناثا وذكورا، بتزكية من بعض آباء وأولياء أمورهم.
ولم تعد الظاهرة حكرا على مؤسسة تعليمية أو مدينة أو قرية دون أخرى، فشعار الغش في الامتحانات أصبح من الأولويات التي يستعد لحمله التلاميذ -وبعضهم بمساندة أولياء أمورهم- فبسبب الممارسات اللاتربوية التي تسلكها قلة من المدرِّسين أو الإداريين (سامحهم الله) في إطار المساندة العائلية أو العلاقات الزبونية والمصلحية. أو في إطار تلميع صورة بعض المؤسسات على مستوى الحصيلة الدراسية، ازداد عدد التلاميذ المعتمدين على الغش، واختلفوا بين من يكشر عن أنيابه مهددا المراقبين، أو «المتسولين» الذين يقضون فترة الاختبار في السعي وراء الظفر بجواب ما دون انتباه إلى الوقت الذي يضيعونه في الالتفات يمينا ويسارا.
ولعل المتتبع لما يجرى إبان الامتحانات الجهوية والوطنية لتلاميذ الباكلوريا يلاحظ مدى «التعبئة الشاملة» من طرف العديد من منعدمي الضمائر لاستعمال الغش والبحث عن طرق تمكن الممتحَنين من الظفر بأجوبة لبعض الاختبارات بمساعدة المراقبين أو من وراءهم، و يأتي في مقدمة الوسائل المستخدمة في «النقلة» تصغير حجم أوراق الدروس وتقطيعها على شكل أحزمة (سينتا)، وهي وسيلة تنشط فيها محلات النسخ ( الفوطوكوبي)، على مرأى و مسمع من عموم الناس، دون تدخل أو ردع من الجهات المسؤولة، وقد تمكن أصحاب بعض هذه المحلات في المدن الكبرى (الدار البيضاء والرباط وغيرهما) من الحصول على دروس الأولى والثانية باكلوريا والثالثة إعدادي في مواد الاجتماعيات والفلسفة والطبيعيات... وكذا ملخصات لبعض قواعد مادتي الرياضيات والفيزياء.. إضافة إلى مواضيع جاهزة للإنشاء في الفرنسية والإنجليزية... واللائحة طويلة... جمعوا كل هذه المقررات وقاموا بتصغيرها وبيعها جاهزة للتلاميذ. واتسم الموسمان الدراسيان الماضيان بدخول الهاتف النقال و«البلوتوت» مسرح الجريمة. ورغم المذكرات الوزارية التي تمنع استعمال الهاتف النقال داخل المؤسسات التعليمية في الأيام الدراسية العادية، فقد ثبت، وبشهادة بعض المراقبين من ذوي الضمائر الحية، أن العديد من التلاميذ ضبطوا، وعلى مقدمة يدهم طرف الخيط الذي يصل الأذن بالهاتف المخبأ، حتى أن بعض الحراس كانوا على وشك رفع الحجاب على بعض التلميذات المحتجبات (وما أكثر المحتجبات خلال فترة الامتحانات!..)، للتأكد من عدم وجود سماعة لاصقة على آذانهن. كما أن العديد من المتجولين على مقربة من الهواتف الثابتة، لاحظوا ازدحام العديد من الأشخاص عليها، واستمعوا إلى رسالاتهم الصوتية التي تتضمن الأجوبة وعيون البعض على أوراق مكتوبة...
كل هذه التجاوزات ساهمت في نجاح العديد من التلاميذ رغم عدم أهليتهم، وزادت من المعدل السنوي للحاصلين على شهادات السلك الابتدائي والإعدادي والباكالوريا، ومكنت العديد من الحصول على رخصة اجتياز بعض الدورات الاستدراكية. ليبقى السؤال مطروحا حول المستوى الحقيقي للتلاميذ في جميع مستوياتهم؟
إن الإعداد لامتحانات الباكلوريا جعل بوصلة كل الأسر المعنية موجهة إلى الثانويات. وإذا كان مجموعة من الآباء وأولياء أمور التلاميذ منكبين على توفير الظروف الملائمة والعتاد اللازم لدعم أبنائهم وبناتهم، وإعدادهم للامتحان الشبح، فإن مجموعة أخرى تجري وراء المدرسين والإداريين من أجل الرفع من نقط المراقبة المستمرة (معامل واحد)، لتغطية العجز الحاصل في نقطة الامتحان الجهوي المحصل عليه خلال السنة المنصرمة (معامل واحد)، ودعم نقطة الاختبار الموحد المرتقب (معامل اثنان)، فيما يأمل آخرون حصول أبنائهم وبناتهم على معدلات مرتفعة تمكنهم من ولوج بعض المعاهد العليا. فيما تعيش أسر أخرى حالات ترقب وحيرة بعد أن وقفت على مستوى أبنائها وبناتها المتواضع، وتأكد لها أن الرسوب مآلهم، وأن النجاح وإن تحقق فإنه لن يكون بمعدلات تمكنهم من تحقيق أحلامهم في انتزاع وظيفة أو عمل أو ولوج معاهد في المستوى. كما وقفت «المساء» على طرق وأساليب مختلفة تنهجها العديد من الثانويات التأهيلية في تعاملها مع المترشحين. فبينما تعمد بعض المؤسسات العمومية إلى تكثيف الدعم التربوي في المواد المرتقب اختبار المرشحين فيها، وحث المدرسين على إضافة حصص دراسية لصقل مهارات التلاميذ وتوعيتهم في كيفية التعامل مع الامتحانات المقبلة، تلجأ المؤسسات الخاصة إلى حذف بعض المواد المقررة رسميا والتي لن يتم اختبار التلاميذ فيها وطنيا ولا جهويا، أو التقليص من عدد الحصص المخصصة لها، وتضيف حصصا قارة للدعم والتلقين خاصة بالمواد المنتظر اختبار التلاميذ فيها. ولعل أكثر ما يثير غضب واستياء بعض الآباء والتلاميذ سياسة الرفع من نقط المراقبة المستمرة التي تنتهجها بعض المؤسسات الخاصة، حيث تعمد إدارة تلك المؤسسات ودون أدنى استشارة للمدرسين أو بتواطؤ مع بعضهم، إلى منح نقط جد عالية لتلاميذ لا يفقهون شيئا، ويكفي إجراء إطلالة خفيفة على نقط المراقبة المستمرة الخاصة بتلاميذ السنة الختامية للباكالوريا في مجموعة من المؤسسات الخصوصية في مدن البيضاء والمحمدية والرباط وابن سليمان، ومقارنتها مع ما حصل عليه نفس التلاميذ خلال اجتيازهم للامتحانات الوطنية والجهوية، للتأكد من أن بعض المؤسسات الخصوصية «تبيع» نقط المراقبة، وأخرى تمنحها أملا في الرفع من نسبة النجاح لديها...