المدرسة المغربية والبحث عن اختيار بيداغوجي مطابق
عـودة للتـأمل في الطرق المسماة ''تقليدية''
يرى ابن خلدون أن المغاربة تميزوا عن غيرهم من الشعوب العربية والإسلامية بملكة الحفظ، ودور الذاكرة في هضم النصوص القرآنية والحديثية ومختلف المتون التي كانت تصاحب التعليم الديني في مرحلة تاريخية ماضية. وهذه الخاصية جعلت من ''ديل أكلمان'' يندهش بدوره من قدرة المغاربة على ترويض الذاكرة واستثمارها في حفظ الكلام العالي (يقصد القرآن الكريم)، فقد لاحظ من خلال تجوله في بعض بلدان العالم الاسلامي كيف كان المتعلمون يندهشون عندما يحدثهم أن المغاربة يحفظون القرآن عن ظهر قلب، بينما يقتصر طلبة ''عمان'' على القراءة السليمة، ويعتبرون ذلك منتهى التمكن من القرآن الكريم.عـودة للتـأمل في الطرق المسماة ''تقليدية''
وفي بحثه عن الأسباب التي جعلت المغاربة يتفوقون في ملكة الحفظ، وجد ''ديل إكلمان'' أن التعليم الديني كان يحظى باحترام شعبي بالغ، تجلى ذلك في الحفاوة التي كانت تصاحب طالب القرآن وتتابع مساره التعليمي، وما يلقاه من احترام، أو بلغة ''بيير بورديو'' رأس مال رمزي.
هذا بالإضافة إلى خاصيتين أساسيتين لازمتا التعليم الإسلامي وهما: الانضباط الصارم وانعدام الشرح الصريح لما يحفظ من نصوص، ويشكل الانضباط في السياق المغربي في ذلك الحين ثقافة تعكس أساليب التنشئة الاجتماعية، في التعامل مع العلم ومع كلام الله خاصة.
ومن بين الملاحظات التي استخلصها هذا الباحث أن السر في هذا التفوق يرجع بالأساس، إلى المحيط المجتمعي الذي يعزز من قيم العلم والاجتهاد، فآباء الطلبة وإخوانهم الكبار،وأقرباؤهم الآخرون، بمن فيهم النساء، والأتراب، ينخرطون بشكل أو بآخر في عملية التعلم، فكلهم يهيئون السياق الملائم الذي يمكن التلميذ من الاستمرار في تعليمه.
إن الغاية من ذكر هذه المعطيات هي تأكيد ما انطلقنا منه أن النظرة التي نكونها عن الطرق المسماة ''تقليدية '' لاتكون في غالب الأحيان نظرة موضوعية، وهذا جعل الكثير من الباحثين الأجانب الذين درسوا المغرب في مرحلة ما قبل الاستعمار أو بعده، ومن ورائهم الباحثين المغاربة، الذين تأثروا بشكل واع أوغير واع بمقولاتهم، بالاستسلام لبعض المسلمات، والتي تتلخص في كون الطرق البيداغوجية التقليدية تقلل من قدرة الطالب على البحث والابتكار والتجديد؟
ولازلنا نردد نفس المقولات في العصر الحالي. وهنا قد تثار في وجهنا الانتقادات التالية:
هل يسعى صاحب المقال إلى إرجعنا إلى عهود غابرة؟ أليست هذه دعوة للتقليد والتأخر؟ ما محل هذه الطرق العتيقة في زمن ظهور ما يسمى بالميتامعرفية؟ ونظرية تعدد الذكاءات؟
لا يساورنا شك في أن الانفتاح على مختلف النظريات والمقاربات البيدغوجية والمعرفية الحديثة، واستلهامها وإدماجها في المدرسة المغربية، ليعد سبيلا موفقا للرقي بمنظومتنا التعليمية، لكن شريطة حسن التعامل معها، والعمل على إنجاز دراسات ميدانية حول نجاعتها وجدوائيتها، وعدم الوقوع في عملية نقل ميكانيكي فج لا يستحضر مختلف الشروط السوسيوتربوية المحايثة لهذا الاختيار أو غيره.
لكن مساهمتنا تأتي للتفكير في ما تختزنه التربة المغربية من كنوز يمكن استثمارها في وسطنا التعليمي، بما يتلاءم مع بعض التخصصات وبعض المواد وليس كلها، وقد يشكل ذلك منطلقا لدورة جديدة في منظومتنا التعليمية.
رشيد جرمون، باحث في علم الاجتماع
27/5/2010
27/5/2010