جماعة القسم:
إن القسم كمجال نفسي-اجتماعي يتميز بصفته جماعة تهدف من خلال وجودها إلى تحقيق عمل معين، وفق شروط محددة، ويهدف من خلال تنظيمه إلى تحقيق أغراض تربوية ومعارف، كاكتساب مهارات وخبرات تعليمية ضمن الشروط المقننة وووفق وسائل وطرق واضحة. وعليه فإننا لا يمكن التعرف على كنه جماعة الفصل إلا داخل خصائص الجماعات الصغيرة، التي تعتبر العمل أهم مبدأ مشترك بين أفرادها. مع إضافة بعض الخصائص المميزة للقسم التعليمي عن غيره من التنظيمات الأخرى. وقد حددها باني وجنسون كالتالي:- إن حضور المكونين للجماعة إلزامي وليس اختياري.
- لا يدخل في اختصاص المكونين للجماعة اختيار القائد ولا يمكن التمرد عليه أو الخروج عنه.
- يقع التلاميذ تحت ضغوط وتأثيرات تلاميذ آخرين ومجموعات ضاغطة أخرى.
دينامية جماعة القسم
إن الفصل الدراسي كجماعة صغيرة يشكل وحدة متجانسة، ويكتسي بنية شكلية قانونية على اعتبار أن القسم من حيث الطبيعة والخصائص يتكون من مستويين:
مستوى أول: شكلي يتبلور على شكل تنظيم محكم رسمي هو المسؤول عن تحديد الأهداف الرسمية للجماعة، والشروط اللازمة لتحقيقها مضيفا إلى ذلك تحديد الأدوار والمسؤوليات التي يجب أن يقوم بها كل من المدرس والمتمدرس يعني كل ذلك أن التنظيم الشكلي هو الذي يقنن معايير سلوك المجموعة، ويضع القيم الأخلاقية المرجو تحقيقها.
مستوى ثاني: فهو غير رسمي، فالقسم كجماعة أولية يصبح مجالا للتكوين العاطفي والنفسي والاجتماعي. ويصبح هذا المستوى غني التأثير والتأثر، ويلعب دورا بالغ الأهمية في سير العملية التعليمية. وهكذا فالقسم يصير مجالا عاطفيا ونفسيا واجتماعيا أكثر مما هو مجال معرفي تحكمه القواعد الشكلية تنشأ تحت تأثير التفاعلات التي تتم في إطاره وحسب هذا المنطق يجب أن نتعامل مع القسم كمجتمع صغير حسب دوركايم وقد عرفت جماعة القسم بحكم طبيعتها ومهامها وغاياتها، وبخاصة الدور الذي تؤديه في حياة الطفل- التلميذ- الوجدانية تعريفات عديدة. بالنسبة إلى جونسون وباني 1974 إنها " مجموعة أفراد يدركون بشكل جماعي وحدتهم، ويتخذون السلوك نفسه اتجاه المحيط المدرسي " أما آخرون أمثال ديبون 1982 وجورني 1980 فإنهم يعرفون جماعة القسم من خلال خصائصها ويعتبرونها جماعة تفاعل مباشر لأن لأعضائها تأثير على بعضهم البعض ولأنها تؤثر عليهم بواسطة المعايير التي تتكون داخلها. أنها جماعة عمل منظمة لأجل تحقيق هدف ما. إنها جماعة شكلية لأن أعضائها عينوا ليكونوا جماعة لم يختاروها. ولأن المؤسسة فرضت بنيتها عليهم. في جماعة القسم كأي جماعة صغيرة مجموعة من المتغيرات التي يفرزها ديناميتها. ويمكن رصد هذه المتغيرات مباشرة أو عبر أدوات كالروائز والاستمارات والمقابلات ولعب الأدوار ويمكن تحديد بعض هذه المتغيرات كالتالي:
- الأعراف: هي عبارة عن تحديد السلوكيات المرغوب فيها والمقبولة والمنبوذة. ومن تم تشكل الأعراف قوالب سلوكية تتم خلالها انصهار سلوك الفرد في الجماعة، حيث يتخلى عن كثير من سلوكاته التي حددتها له أطر مرجعية سابقة (كالأسرة مثلا) لصالح قيم وعادات تفرضها الجماعة. وهذه الأعراف يكون بعضها مؤسساتيا، كالقوانين الداخلية للمؤسسة وأنظمتها وبعضها شكليا ينتج من طرف الجماعة ذاتها بفعل تفاعلات أعضائها وإسهامات كل واحد في تشكيلها.
- الأهداف: بحكم أن جماعة القسم من فصيلة جماعة العمل فإن أهدافها الأساسية هي أهداف إنتاجية (فكرية أو مادية أحيانا) إن جماعة القسم قد وجدت من أجل أن تنتج تعلمات معرفية أو وجدانية أو سيكوحركية تحاول المناهج والبرامج بلورتها عبر عمليات تربوية. لكن هذا التركيز على هذه الأهداف التي يصطلح عليها بأهداف المهام. لا يمنع من تبلور أهداف وجدانية ترتبط بالتلاحم والتفاعلات الوجدانية.
- توزيع الأدوار: توزع جماعة القسم على أعضائها مجموعة من الأدوار: دور المدرس/ دور التلاميذ وهذه الأدوار تفرزها قدرات الأعضاء ومؤهلاتهم ومعطيات الظروف التي تشتغل فيها الجماعة وطبيعة وقوة الجماعة.
- نموذج السلطة: كباقي جماعات العمل، تطرح في جماعة القسم إشكالية القيادة أو السلطة التي تؤثر في المناخ النفسي – الاجتماعي للجماعة وإنتاجها ويلعب دور المدرس كقائد رسمي دورا مهما في تحديد طبيعة القيادة داخل القسم ( قيادة ديموقراطية، متصلبة، تسيبية…) يكون المدرس عند تسلمه زمام القسم قائدا شكليا مؤسسيا. إنه شكلي بحكم أنه لا أحد من التلاميذ اختاره في البداية ليكون قائدا لذلك القسم. وهو مؤسسي لأن المؤسسة هي التي اختارته وهي التي تعمل على بقائه كقائد ليساعدها على تحقيق أهداف المؤسسة ولكي يتحول المدرس من قائد شكلي إلى قائد حقيقي عليه أن يستقطب بعمله وطريقته وعلاقته. انجداب أعضاء الجماعة (التلاميذ) وإلا ظل قائدا صوريا مفروضا وغير مرغوب فيه. وفي هذا الإطار أقيمت مجموعة من الدراسات التي أكدت على إيجابية المناخ الديموقراطي. ومن ذلك دراسة " أندرسن" والدراسة الكلاسيكية المشهورة ل "وايت" و"ليبيت" تحت إشراف " كورت ليفين"
إمكانات جماعة الفصل:
- تعتمد جماعة الفصل على مجموعة الإمكانات التي يسهم بها كل فرد في الجماعة أي مؤهلاته واستعداداته، وتعتبر هذه الإمكانات عنصرا هاما في مسار عملية التعليم لأهميتها من جهة، ولأهمية إدراكها من طرف أعضاء الجماعات من جهة أخرى ويمكن أن نميز في هذا الإطار بين إمكانات المتعلم وتتحدد بدرجة دافعيته للتعلم والتصورات لديه حول العملية التعليمة، أما إمكانات المدرس فتشمل مؤهلاته المعرفية والبيداغوجية وتمثلاته للفعل التعليمي وللمتعلمين وإمكاناتهم. بالإضافة إلى إمكانات المدرس والمتدرسين، نجد الإمكانات التي توفرها المؤسسة والتي يتحكم في جانب كبير منها المستوى الاجتماعي والاقتصادي للمدرسة وما تفرزه من أساليب المعاملة التي تتحكم في علاقة المدرس بالمتعلمين، وتتفاعل كل هذه الإمكانات لكي تشكل بنية يؤدي أي خلل في واحدة منها إلى خلل في تحقيق وسير العملية التعليمية.
العلاقات التفاعلية:
تعج جماعة الفصل كأي جماعة ضيقة بالتفاعلات البين شخصية وذلك نظرا لتواجد الأعضاء وجها لوجه وهذه التفاعلات بعضها جزئي مرتبط بالمهام التعلمية (المناقشة، المساءلة، التعاون على إنجاز عمل مدرسي..) وبعضها وجداني (التعاطف، النفور، التقدير، الاحتقار…) ولا ينبغي أن ننسى وجود علاقات تربط بين جماعة الفصل وعناصر خارجية (أفراد، جماعات).
تقنيات تحليل دينامية جماعة القسم:
تشتغل دينامية الجماعات بالإضافة إلى صياغة تصورات عامة نظرية بصدد حركية الجماعات وتفاعلاتها، على تقديم تقنيات للبحث ورصد الظواهر التي تعتمد داخل الجماعات. وهكذا تقدم مجموعة من الوسائل التي تسمح بملاحظة التفاعلات داخلها وكيفية تطورها. وتستثمر بعض التقنيات في فهم جماعة القسم وتحليل تفاعلاتها ومختلف الميكانيزمات المتحكمة في سيرورتها كما تسمح بإيجاد المسلكيات القادرة على إحداث التغيرات الملائمة في عمل ومناخ الجماعة وذلك عن طريق التدخل السيكوسوسيولوجي. ومن أشهر التقنيات المستخدمة في تحليل دينامية الجماعة: القياسات الاجتماعية أو السوسيومترية Sociométrique لأحد الباحثين يدعى "ليفي مورينو" وهي دراسة خاصة بالكشف عن المستوى المستتر في البنية التلقائية للجماعة الصغيرة. ويعتبر المقياس السوسيومتري وسيلة للكشف عن البنية الخفية للجماعة. وهو عبارة عن استمارة تتضمن عددا من الأسئلة توزع بالإسم على أفراد الجماعة مع اشتراط الإجابة الصادقة والتلقائية عن الأسئلة حتى تكون الأجوبة معبرة عن الوضعية الداخلية التي توجد عليها الجماعة وأنشطتها وأهدافها المعبرة عن حياتها، وذلك بربط الأسئلة بالأجوبة معا بما هو معيش أو معاش من طرف أعضاء الجماعة بغية الوصول إلى معرفة البنية الداخلية للجماعة وطبيعة العلاقات التفاعلية وطبيعة التواصل حتى يمكن استثمار أهداف الجماعة استثمارا يتجه نحو الأفضل.
ويتكون هذا الاختبار لدى مورينو من أربعة أسئلة:
- من هم الأشخاص الذين يرغب المستجوب في أن يكونوا معه ضمن نشاط ما؟
- من هم الأشخاص الذين لا يرغب المستجوب في أن يكونوا معه ضمن نشاط ما؟
- من هم الأشخاص الذين يعتقد أنهم يرغبون في أن يكون هو معهم ضمن نشاط ما؟
- من هم الأشخاص الذين يعتقد أنهم لا يرغبون في أن يكون هو معهم ضمن نشاط ما؟
إن السؤالين الأوليين يحددان المكانة التي يحتلها الفرد واقعيا ضمن شبكة العلاقات داخل الجماعة. في حين يحدد السؤالان الثالث والرابع مكانته المدركة أي مكانته كما يدركها هو.
والاختبار السوسيومتري يستوجب ليس فقط الوقوف على الأرقام والمعطيات بل تجاوز ذلك إلى التحليل واستخراج الخلاصات والاستنتاجات. أما فائدته بالنسبة لجماعة الفصل فتتشكل في مجموعة من القضايا نذكر منها:
- الاستئناس بالنتائج في تشكيل المجموعات داخل الفصل عند سلك طريقة المجموعات أو اعتماد أساليبها. عوض تشكيل هذه المجموعات اعتباطا مما قد يخلق عراقيل في وجه إنجاز الأهداف.
- لمعرفة المنعزلين والمنبوذين بهدف العمل على إدماجهم ضمن الجماعة تفاديا لسوء توافقهم الدراسي الذي ينجم عن مكانة سوسيومترية منخفضة.
- لمعرفة بنية العلاقات ومحاولة تغييرها بما يخلق مناخا إيجابيا للجماعة يسمح بالدافعية للعمل والإنتاجية.