مهلا أيها الأستاذ....هذه المرة جانبت الصواب....
كنت من المعجبين بلغتك في الكتابة وصراحتك في الخطابة وتفننك في اللغة والدآبة,ومن كثرة ما كنت أحترمك واحترم مواقفك النبيلة وشجاعتك على قول الحق والحقيقة ,بقدر ما فوجئت بتسرعك وعدم قراءتك للمقال الذي انتقدته بشدة قراءة متأنية لا تحمل نوايا وخلفيات بقدر ما تحمل صدقا ومصارحة عن واقع يعلمه الجميع ,تراجع في المستوى وتدني في التتبع والمحتوى ,مقابل امتحانات وفروض لا زالت فوق العروض. وقد كتبت في مقال سابق عن علاقة الأستاذ بتلامذته وكيفية تقويمه لقدراتهم سواء عن طريق المراقبة المستمرة أو الامتحانات بمختلف أنواعها.وأشرت الى بعض الأساتذة وليس كلهم بل وذكرت أنهم فئة قليلة ولكنها موجودة .مسالة أعتبرها طبيعية نظرا لطبيعة البشر ,ورجل التعليم جزء من المجتمع يفعل وبتفاعل . تخرجت على يديه أجيال وأجيال ,ولا يمكن بجرة قلم أن ننزع منه منجزاته ومكتسباته.
فان كان بعض رجال التعليم قد تراجعوا عن أدوارهم الريادية فقد يعود الأمر لعدم مواكبتهم,أو لعدم خضوعهم لتكوينات ممنهجة مما أثر على مردوديتهم سيما أنهم مارسوا نفس المهنة ونفس المهمة لسنوات وأعوام مما أفقدهم الطعم, كما قد يرجع لعدم اشراكهم في كل الاصلاحات وشعورهم بالاحباط من جراء مسئولين يعملون في المكاتب ومدرسين يعانون وحدهم كافة المتاعب,وقد يعود لتراجع مستوى التلاميذ المستمر من جراء عزوفهم وتكاسلهم وانشغالهم بمغريات وملهيات ليست من التعليم في شيء ,وقد يعود لتزايد متاعبهم في الحياة من جراء مجتمع أصبح ينظر الى دورهم باستخفاف,وقد يرجع لانشغالهم مع أبنائهم الذين فرضوا عليهم نمطا من الحياة مختلف عن نمطهم ,مما أرهقهم وأتعبهم وأغرقهم في هموم لا طاقة لهم بها ,أفقدتهم طعم الحياة واشعرتهم بالاحباط والاخفاق . المسببات كثيرة والنتيجة واحدة.
عندما تحدثت عن عمليات التقويم لم أتحدث كمتخصص وانما كرجل تعليم يشهد أحيانا عدم التوافق بين المادة الملقنة وبين كيفية التقويم وهي اعتبارات موضوعية وليست شخصية ولا ذاتية كما ذكر صاحب المقال بكل استخفاف وكأن الأمر يتعلق بمشكلة شخصية مع استاذ ما لأحد ابنائي ,مع العلم أنه يعلم أنني لست ممن يقحم أمور شخصية في كتابات من المفروض أن تكون موضوعية ,أكثر من هذا وذاك أحمل كل التقديبر والاحترام لكل رجال القسم وأنت منهم ممن يبذلون قصارى جهدهم مقابل عدم الاكتراث بمعاناتهم من طرف مسئولين يبتعدون أحيانا عن الشفافية . عندما كتبت وأكتب للتنويه ببعض المسئولين والمسيرين ,لم أكتب عنهم لأمجد شخصهم من أجل الاشهار والاظهار ,وليعلم الأخ الكريم وبكل صراحة أن النواب الذين كتبت عنهم تم ابعادهم عن الجهة لأنهم كانوا يقولون كلمة" لا ثم لا" عندما يتعلق الأمر بتجاوزات مسطرية ,بل وكانوا يحملون برامج عمل لم ترق للآخرين فدسوا لهم الضعائن بطرق ذكية,من ذلك وفي الأيام القلائل الأخيرة ثم اعفاء نائب للتعليم بمراكش وتوصله بالقرار يوم عيد الأضحى لأنه حضر اجتماعا وانتقد بشدة البرنامج الاستعجالي وكأننا ملزمين بالتنويه والمسايرة رغم قناعتنا بالمغايرة .
وعندما نوهت ببعض المديرين خاصة من التعليم الابتدائي ,فان الأمر لا يتعلق بمجاملة ,وانما أحاول قصد المستطاع التعريف ببعض المنجزات التي تتم بكل براءة وبعيدا عن القراءة,كما أن الأمر لن يرقيهم الى مستوى أعلى بقدر ما هو اعتراف بمجهودات خارج الحدود والمسئوليات ,ولك أن تسأل عن كيفية تعاملي بشكل رسمي عند وقوفي على أي خلل ,ولك أيضا أن تزور مؤسسات في الخلاء وبدون أية امكانيات ومع ذلك تمكنوا من تحقيق المعجزات.
أخي الكريم لك أن ترجع الى مقال في نفس الموضوع كتبته مند مدة طويلة وبنفس الأسلوب والنهج ,بمعنى أن الأمر يتعلق باعتبارات موضوعية,كما أنني مرارا أشدت بالأساتذة ممن قدموا خدمات تستحق كل التقدير من ذلك أستاذ واستاذة ساهموا من مالهم الخاص في اقتناء أرض لوقفها على المؤسسة كفضاء لتلامذتها والأستاذ يعمل في البادية وبفرعية نائية ,وأساتذة مؤسسة أخرى اتفقوا على أن كل من ترقى في السلم يتبرع للمؤسسة بنصيب مهم من ماله رغم احتياجهم له ,وأساتذة في العديد من المؤسسات الاعدادية يتطوعون لتقديم ساعات اضافية لدعم التلاميذ المتعثرين ,وغيرها من المبادرات ذات الطابع المادي أو اللتربوي والتي تعرفت عليها عن طريق الصدفة بل ولم أعرف أصحابها حتى بالأسماء ,كما أنني حضرت لقاء تكوينيا لمجالس التدبير خلال السنة الماضية حضره جمع من خيرة الأساتذة استفدت كثيرا من خبراتهم بل وأعجبت بقدراتهم ...وما خفي أعظم.
انني لا أتهجم على أحد ولا أحمل المسئولية كاملة لأحد ,بل ذكرت في مقالي السابق مسئولية نسبية لكل الفئات من أعلى الى أدنى المستويات ,فلا داعي للمزايدات,كما لا يستطيع الأخ الكريم نفي ما ذكرت جملة وتفصيلا . فئة كثيرة مساهمة في أزمة التعليم من وزارة ومصالحها الخارجية بكل مكوناتها وحكومة ومجتمع مدني وعولمة اغرقتنا فيما نحن في غنى عنه. بطبيعة الحال نحمد الله أن تعلمينا يتوفر على طاقات متفانية مجدة مكدة تتحمل المصاعب وتتجاوز المتاعب ولولاها لكنا في الهاوية ,فرغم تدني المستوى لا زال أساتذتنا يتخرج على ايديهم علماء كبار ممن حافظوا على النهج .اذن الغرض من الكتابة توضيح بعض منابع الخلل وتحمل المسئولية حسب موقعنا دون انتظار قيام الطرف الآخر بمسئولياته, والا لأغلقنا مؤسساتنا وقلنا " الله غالب" بل علينا أن نقول " لا غالب الا الله" وأن نشمر على أيدي الجد مقابل مطالبة الطرف الأخر للقيام بواجبه عن طريق مختلف القنوات الرسمية وغير الرسمية. لذا أتمنى منك التأني واعتماد النقد الموضوعي بتقديم بدائل ودلائل معاكسة ,كأن تثبت عكس ما أقول باثبات صدق ومصداقية مختلف الفروض التي يقوم بها التلاميذ ,وتناسب الامتحانات مع مختلف المستويات ,والقيام بدراسة احصائية وتمحيصية لنتائج التلاميذ والتلميذات, وتحديد المسئوليات,خدمة لقارئ كريم يتتبع مقالاتنا بكل عناية ومساهمة في تنوير الرأي العام التربوي بأسلوب شافي كافي دقيق معقلن ,والله من وراء القصد.
وجدة سيتي
محمد المقدم