ما الذي ضيّع هيبة المعــلــــم في مدارسنا ؟
طالب في المرحلة الثانويةيكسر ذراع استاذه وتبرؤه المحكمة دون حياء ولا خجل. أحد المعلمين الثانويين يقول: في كثير من الأحيان وأثناء تدريس الطلاب يرن هاتف أحدهم ويرد على المكالمة دون اعتبار لوجودي. معلم آخر يؤكد على هذا بقوله: ليس فقط أثناء التدريس بل هناك من يقوم باللعب في هاتفه أثناء الدرس بل هناك من يقوم باللعب في هذا الجهاز من خلال الألعاب المخزنة فيه محدثًا ضجة وضوضاء. معلمة في إحدى المدارس الثانوية أبدت ملاحظتها حول لباس إحدى الطالبات غير اللائق لتجيبها الطالبة أن الأمر لا يعنيها وعليها الا تتدخل في أمورها الخاصة لا بل وأخبرت أمها بالأمر والتي بدورها اتصلت بهذه المعلمة وألقت على مسامعها كلامًا جارحًا محذرة إياها من التدخل مرة أخرى بشؤون ابنتها.أحد الطلاب ايام كنا في الجامعة ضبطته الاستاذة في حالة غش في الامتحان فهددها بالسلاح الابيض إحدى المعلمات في المرحلة الإعدادية بعثت رسالة لإحدى الأمهات أخبرتها فيها أن ابنتها مشاغبة وفي اليوم التالي حضرت الأم والأب معًا وقدما لهذه المعلمة «بهدلة مرتبة» على هذه الإساءة لابنتهما التي في نظرهما فتاة مؤدبة وهادئة.
قم للمعلم وفه التبجيلا كاد المعلم ان يكون رسولا هذا الشعار الجميل أطلقه أمير الشعراء أحمد شوقي قبل سنين عديدة معترفا بفضل المعلم في بناء الصرح العلمي ومكانته الراقية في المجتمع ودوره العظيم في رقي وازدهار الامم من خلال رسالة التعليم . وقد بات يتردد في الاوساط الاجتماعية عبارات حول تدني درجة هيبة المعلمين امام طلابهم ذكورا واناثا فهناك من يرى ان المعلم في السنوات الماضية كان يمتلك خاصية امام طلابه لا يمتلكها معلمو الوقت الحاضر ، فإذا كان الأمر كذلك فمن وراء سقوط هيبة المعلم ؟ وأين اختفى وقع وتأثير قصيدة شوقي ( قم للمعلم .. ) من نفوس طلابنا بل ومن مجتمعنا ؟ وما أهمية هيبة المعلم أمام طلابه ؟ وماذا تعني كلمة الهيبة ؟
في هذا الموضوع سنعمد الى تبيان بعض الاسباب التي ساعدت على ظهور هذه القضية الشائكة املا في ايجاد بعض السبل وآلاليات لاسترجاع هذه الهيبة وتعزيز مكانة المعلم في المجتمع من خلال مناقشة بعضنا البعض باعتقادي أن الموضوع يحمل أبعادا مختلفة وعوامل عديدة وهذه العوامل والأبعاد لها علاقة وطيدة بقضية تدني مكانة المعلم والتي نلمسها جيدا في واقعنا الحالي ، ومن هذه الأبعاد :
1) البعد الاقتصادي : فالرواتب المنخفضة للمعلمين مقارنة مع غيرهم من أصحاب المهن لها تأثير سلبي على مكانة المعلم ، فالمعلم الذي يفكر ويخطط ليوم تعليمي طويل ويتعب في التدريس لا يأخذ ما يستحقه من الرواتب واليوم نحن نعيش تحت سلطان المادة وغالبا ما يقيس الناس الأمور بمقاييس المادة وحسب هذه المقاييس فإن الشيء غالي الثمن يكون عالي القيمة.
2) البعد الاجتماعي : هناك نظرة عند الكثيرين بأن مهنة التعليم لا يمارسها الا من كانت علاماته متدنية ومستواه التعليمي منخفضا بحيث ان علاماته لم تؤهله لتعلم موضوع مثل المحاماة أو الهندسة أو الطب فلم يكن له خيار الا أن يصبح معلما وهذا الأمر أيضا له علاقة بتدني مكانة المعلم، نحن لا ننكر ان هناك بعض المعلمين غير المؤهلين تم تعيينهم ( بالواسطة ).
3) البعد السياسي : هناك الكثير من المناسبات الدينية والسياسية والوطنية لا تعرض بالشكل الصحيح في المدارس ، والمعلم الذي هو قائد تربوي لا يستطيع ان يعبر عن رأيه في هذه المناسبات بكل جرأة وصراحة امام الطلاب فالمعلم الذي يتبنى ايديولوجية معينة وتيارا فكريا أو سياسيا معينا لا يستطيع ابداء موقفه بصراحة مما يقلل من هيبته ويضعف من شخصيته امام الطلاب .
*4) عدم وجود رؤية تربوية وتعليمية في المدارس ، وأكثر هذه الرؤى وللأسف موجودة في الجوارير لا يطلع عليها أحد ، فلا يوجد تخطيط واضح بين المعلم والطلاب أو بين المعلمين انفسهم او بين المعلمين والأهل ، كذلك لا يوجد رؤية تربوية وتعليمية توضح سياسية وبرامج المدرسة ، حقوق وواجبات الطالب ، حقوق وواجبات المعلم ، دستور للمدرسة وغيرها ، بمعنى هناك مسافات بين هذه الأجسام الأمر الذي قد يولد شكوكا بين الأهل والمعلمين او بين الاهل والمدرسة وهذا بدوره يولد النظرة السلبية تجاه المدرسة ومن ثم يقلل من مكانة المدرسة ومكانة المعلمين .
5) البعد الشخصي : بعض المعلمين من يستغلون الطلاب ويستخدمونهم لشراء حاجياتهم//علبة سجارة مثلا// أو خدمتهم في أمور شخصيه وهذا باعتقادي يقلل من قيمة المعلم ، كذلك بعض المعلمين من يدخلون الصفوف دون تحضير مسبق فيبدأ بدروسه ويلاحظ الطلاب انه غير مستعد للدرس فيأتي بموضوع من هنا وموضوع من هناك لانهاء حصته فيشتت اذهان الطلاب ولا يأتي بفائدة تذكر بل يجعل من الطلاب لا يعيرون للحصة اهتماما وكذلك الأمر بالنسبة للمعلم .
كما ان للقوانين التي سنتها الدولة دور خطير ساهمت في اختفاء هيبة المعلم و قيدته بل ، وخفضت من صلاحياته ، حتى اظحى الطالب في الابتدائية يعلم بهذه القوانين التي تمنع معاقبته كما ان عقوق الوالدين وعدم احترام الكبير كثر بشكل عام ، حتى انه طال المعلم فالابن الذي يتطاول على والديه ما المانع لديه ان يتطاول على معلمه ناهيك عن ظاهرة العنف المنتشرة في المجتمع ، والتي أثرت بشكل مباشر على هيبة المعلم ومن الاسباب ايضاوسائل الاعلام التي تقدم العديد من الافلام والمسلسلات والتي تعرض المعلم بصورة مبتذلة غير محترمة وبذلك تقدم صورة سلبية عن المعلم اضف الى ذلك دور الأهل والذي في كثير من الأحيان قد تحول من دور ايجابي الى دور سلبي حيث ان الأهالي في الماضي كانوا يحترمون المعلم كثيرا ويعلمون أبناءهم أهمية احترام المعلم بينما اليوم يشارك الأهل ابناءهم بالهجوم والوقوف على أي زلة تصدر من المعلم والسبب هو كثرة الدلال الزائد للأبناء خاصة ان انجاب الأطفال أصبح أقل من ذي قبل .
المعلم أحد الأسباب الرئيسية لسقوط هيبته - مما لا شك فيه أن مكانة المعلم الاجتماعية والتربوية قد اهتزت وتغيرت في أيامنا فلم يعد المعلم الملك في صفه ولا ذاك المحترم في مجتمعه ففي زماننا حدث تغيير للأسوأ في مكانة المعلم ، ويعود ذلك للأسباب الآتية أولا : أن العالم في تقدم وتطور دائمين والمعلم باق مكانه لا يواكب تكنولوجيا التعلم فنجده يعلم على طريقته القديمة ( المعلم في المركز والطالب مجرد وعاء لاستقبال المعلومات ).
ثانيا : عدم استعانة المعلم بوسائل التدريس الحديثة من أجل تحبيب الطلاب في الموضوع وتفهيمهم اياه فنجد أن الطالب يتعلم عن طريق الحاسوب أضعافا مضاعفة عن ذلك الذي يتلقاه من أستاذه .
ثالثا : اتساع رقعة الثقافة لتشمل أوساطا واسعة في المجتمع دعا الكثيرين للتطاول على المعلم والنظر اليه نظرة مغايرة .
رابعا : سهولة التزود بالمعلومات التعليمية والتربوية والثقافية المختلفة عن طريق الحاسوب عبر شبكة الانترنت بعد ان كان المعلم هو المصدر الوحيد لاستقاء المعلومة .
خامسا : راتب المعلم المتدني حتم عليه البحث عن مهنة اضافية فقلل من احترامه بين الناس اذتخلى المعلم عن وضيفته الاساسية فتعاطى للسمسرة لا تسمع منهم سوى // كاين شدار البيع كاين شبلان كاين شي لوطوللبيع//. فلم يعد يملك الاسلوب الناجع في التدريس ولم يعد متمكنا من المادة . أضف الى ذلك نوعية المعلمين الذكور وبالذات في المستوى الثانوي و الجامعي الذين يجالسون طلابهم -ذكورا واناثا- في المقاهي او يدخنون معهم او ينزلقون الى مستويات متدنية من الحديث معهم . فماذا نتوقع من الطالب حينها ؟
* - إن وضع التعليم في بلادنا يرثى له. تعيس الى أبعد حد فنحن أمة اقرأ لا نقرأ واذا قرأنا لا نفهم وإن فهمنا لا نطبق نحن الذين نؤمن أن العلم والدين توأمان لا ينفصل الواحد منهما عن الآخر فلماذا تخلينا عن العلم ونسبنا أنفسنا للدين ؟ - ان المناهج التدريسية لأبنائنا مشبعة بالغرابة والتغريب والمغالطات وهي بحاجة ماسة الى مراجعات دقيقة. - الأصل فينا أن نتصدر لوائح المتميزين في سلك التربية والتعليم لا أن نتنافس على المراتب الدنيا .
* اقتراحات لتحسين الآداء التعليمي في مدارسنا واسترجاع هيبة ومكانة المعلم المرموقة ؟
- إننا بأمس الحاجة الى ذاك المعلم الناجح الذي أحب مهنته واختارها بكامل ارادته انطلاقا من ايمان انها مهنة مقدسة سبقه اليها الأنبياء والمرسلون .
- المعلم الناجح الذي يعرف كيف يدير صفه ويضبطه .
- المعلم الناجح الذي يعرف كيفية التعامل مع المنهاج.
- المعلم الناجح الذي يعرف كيفية التخطيط للتدريس.
- المعلم الناجح الذي يعرف كيفية تجهيز واستعمال الوسائل التعليمية.
- المعلم الناجح هو الذي يعرف كيفية تنفيذ الدرس .
- المعلم الناجح هو الذي يعرف كيفية التعامل مع طلابه .
* اذا على المعلم حتى يستعيد قيمته وكرامته ومكانته الاجتماعية ان يحدث دوره من ناقل للمادة الى منتج لها
* يجب العمل على رفع مدخوله الشهري كمحفز معنوي حتى يقوم بواجبه على أتم وجه . * أن يضع مجتمعنا وظيفة التربية والتعليم على سلم اولوياته
* مكافحة آفة التعيينات غير الشرعية . هيبة المعلم امام طلابه وأهميتها : الهيبة كما عرفها ( جيمس بارنر وهارولد كانون ) في كتابهما هيبة المعلم امام طلابه وأهميتها هي: أن يكون للمعلم تأثير ونفوذ مشروع على الطلاب وهي تختلف عن السلطة لاحتوائها على عنصر أخلاقي فهي لا تتضمن القسر وهي تكتسب وتتراكم. والهيبة تتطلب مراعاة قدر من الرسمية في العلاقة بين المعلم والطالب. - ومن الاهمية بمكان ادراك الفارق بين منزلة المعلم ومنزلة الطالب فلا يجب اسقاط جميع الحواجز بينهما وعلى المعلم ان لا يقيم علاقة شخصية مع الطالب او ينحاز لأحد الطلاب.
رســــــــــالة إلى الطــــــــــــــلاب ما يحصل في مدارسنا من عدم احترام وعنف ضد المعلمين ليس من صفات طالب العلم. فطالب العلم من يحترم معلميه ويقدرهم ويجلهم لأن رسالة التعليم من أقدس الرسائل وأعظمها. وهذه باقة من الوصايا لطالب العلم في أكرام المعلم والتزام الأدب معه: * يجب احترامهم وتقديرهم وفي ذلك يقول رسول الله&: ثلاث لا يستخف بهم إلا منافق: ذو شيبة في الإسلام وذو العلم وإمام مقسط.
* التواضع لهم، وقد قال الشافعي في ذلك: أهين لهم نفسي فهم يكرمونها ولن تكرم النفس التي لا تهينها وقال الغزالي: (لا ينال العلم إلا بالتواضع وإلقاء السمع...).
* التأدب أثناء النظر للمعلم والحديث معه وتجنب كل ما يخل بالوقار وينافي الأدب والحياء، وقد قال علي بن ابي طالب رضي الله عنه في حق العالم على المتعلم: (من حق العالم عليك أن تسلم على القوم عامة وتخصه بالتحية وأن تجلس أمامه ولا تشيرن عنده بيديك. ولا تغمز بعينيك غيره...وعليك أن توقره لله تعالى ولا تسارر أحدًا في مجلسه ... ولا تشبع من طول صحبته فإنما هو كالنخلة تنتظر متى يسقط عليك منها شيء).
* وقد قال بعضهم: إن المعلـــــــم والطبـــــــــــيب كلاهما لا ينصـــــحان إذا هــما لم يكــــــــــرما فاصبر لدائك إن جفوت طبيبه واصـــــــــبر لجهلك إن جفوت معلمًا
* التأدب أثناء النظر للمعلم والحديث معه فيقبل عليه باصغاء تام ناظرًا إليه وغير ناظر إلى يمينه أو شماله أو فوقه أو أمامه لغير حاجة، قال شعبة: كنت إذا سمعت من الرجل الحديث كنت له عبدًا ما يحيا.
* الصبر على التعليم والصبر على بعض الطباع الحادة التي قد تكون في شخصية المعلم . وقد قال بعض السلف: من لم يصبر على التعليم بقي عمره في عماية الجهالة ومن صبر عليه آل أمره إلى عز الدنيا والآخرة.
* وقال ابن عباس : ذَللت طالبًا وعززت مطلوبًا.
حمادة مصطفى
وجدة سيتي