واقع التدريس بالعالم القروي : أوضاع مقلقة وحياة صعبة وتواصل شبه مفقود
زرع مدرسة في قرية نائية في الجبل أو في الخلاء، معزولة عن العالم، لا يعني تقريب التعليم من المواطنين، وليس تعيين مدرسين ومدرسات في أقصى المناطق التي تعيش عزلة قاسية على جميع الأصعدة، هو المساهمة في تعليم أبنائهم وتقريب الحضارة إليهم، بقدر ما نقتل في هؤلاء المدرسين والمدرسات الضمير المهني وروح المبادرة، ونهيئ لهم الظروف لنسيان ما تعلموه وما خبروه على مدى حياتهم التعلمية و التعليمية، ويستسلمون للواقع الجديد الذي كله تخلف وحياة بدائية، فيخضعون في أحسن الأحوال للمقولة المشهورة « وكم من حاجة قضيناها بتركها»، إن لم يصابوا بخلل، يقعون ضحية الاضطرابات النفسية والعقلية، كما هو الشأن بالنسبة لعدد لا يستهان به من المدرسين والمدرسات في العالم القروي، خصوصا في المناطق النائية.يتسم التعليم بالعالم القروي بالوضع المقلق رغم المجهودات المبذولة من طرف المسؤولين، حيث ماازال نساء ورجال التعليم يعانون مرارة التهميش والإقصاء والحرمان من أبسط شروط العيش الكريم، مؤسسات متباعدة وفرعيات متشتتة بدون مرافق صحية ولا ماء ولا كهرباء، يتسم الوصول لبعض منها بالمجازفة بالحياة حيث الخلاء والمسالك الوعرة وانتشار قطاع الطرق والكلاب الضالة ... مما يهدد حياة العاملين بالعالم القروي، مؤسسات تفتقر للوسائل والتجهيزات والأدوات الدراسية اللازمة، وكم يقشعر بدنك حين تقف على وضع مؤسسة تعليمية معزولة تماما عن محيطها لا حياة فيها. البرودة القارسة في الشتاء و الحرارة اللاسعة في الصيف، انتشار الحشرات السامة في ظل غياب أي مرفق صحي قريب أو طريق قد يسلكها لمعانقة الحاضرة أو لأجل قضاء الأغراض خصوصا المعيشية في ظروف معقولة... عديدة هي المشاكل و المعاناة التي يواجهها نساء و رجال التعليم بالبادية في غياب تام لأي تحفيز مادي أو معنوي، فزرع مدرسة في قرية نائية في الجبل أو في الخلاء، معزولة عن العالم، لا يعني تقريب التعليم من المواطنين، وليس تعيين مدرسين ومدرسات في أقصى المناطق التي تعيش عزلة قاسية على جميع الأصعدة، هو المساهمة في تعليم أبنائهم وتقريب الحضارة إليهم، بقدر ما نقتل في هؤلاء المدرسين والمدرسات الضمير المهني وروح المبادرة، ونهيئ لهم الظروف لنسيان ما تعلموه وما خبروه على مدى حياتهم التعلمية و التعليمية، ويستسلمون للواقع الجديد الذي كله تخلف وحياة بدائية، فيخضعون في أحسن الأحوال للمقولة المشهورة « وكم من حاجة قضيناها بتركها»، إن لم يصابوا بخلل، يقعون ضحية الاضطرابات النفسية والعقلية، كما هو الشأن بالنسبة لعدد لا يستهان به من المدرسين والمدرسات في العالم القروي، خصوصا في المناطق النائية.
لا يمكن أن ننتظر من مدرسين و مدرسات يقاسون من ظروف الطبيعة القاسية و العيش الشحيح و العمل الغير الملائم، بالإضافة إلى الاحتقار والإهمال باعتبارهم رقم يملؤون به فراغا ما فقط ، فكيف و الحالة هذه سيخلصون في مهمتهم نزيهون في أداء واجبهم منصفون للجوار و لتلامذتهم ؟.
لتحقيق النجاح المطلوب لابد من العمل على تقريب أبناء سكان القرى من المراكز الحضارية وشبه الحضارية، حتى يستطيع التعليم أن ينجح ويحقق أهدافه، فبدون ذلك لا يمكن أن نجني من المجهودات المبذولة سابقا وكذلك حاليا سوى ضياع الوقت وهذر الطاقة البشرية والموارد المالية وتعميق التخلف والفقر والجهل...
انعدام الأمن و الحماية
تنوعت معيقات تطور التعليم بالعالم القروي التي لا يمكن للوزارة الوصية وحدها التخلص أو على الأقل الحد منها ، بحيث يجب على المتدخلين في العملية التربوية جميعهم المساهمة و المساهمة الفعالة و الانخراط الجاد و المسؤول كل من جانبه قصد الرفع من مستوى التعليم بالعالم القروي ، وإلا فكيف للوزارة الوصية أن تقيم حارسا على فرعية معزولة في الخلاء تتحول بين كل فترة إلى مكان للمتسكعين أو قطاع الطرق أو ملاذا للمتشردين أو لقضاء الحاجة وتعرض تجهيزاتها إلى السرقة و التلف فلا تجد لا مقاعد ولا سبورة و لا مكتب و لا أبواب و لا نوافذ ... فما إن يحل المدرسون من جديد بعد كل عطلة للقسم حتى يفاجؤون بما لم يكن في حسبانهم ، كما أن غياب التوعية وانتشار الأمية و الفقر بتلك المناطق يجعل من المؤسسة فضاء دخيلا لا قيمة له في حياتهم و لا حياة أبنائهم و بناتهم المستقبلية فتنشب العداوة و ينتشر الاعتداء و الانتقام ، وكم من ملف معروض على أنظار العدالة بسبب الاعتداء الذي يتعرض له المدرس أو المدرسة من طرف أبناء المنطقة ( التهديد – الاغتصاب – الاختطاف – التحرش – الضرب و الجرح ...) والسؤال يبقى مطروحا هنا إلى أجل غير مسمى ألا وهو من يحمي هؤلاء في مالهم و نفسهم و بدنهم ؟ من سيؤمن لهم الاستقرار و الكرامة و الاحترام ؟
في هذا الشأن نستحضر كلمة الشهيد المناضل المهدي بن بركة أمام رجال التعليم أثناء مؤتمر جامعتهم بالبيضاء يوم 2 يوليوز 1959 بحيث كان ميدان التعليم من بين المجالات التي كرس لها الفقيد الكثير من وقته و التي قال فيها : « إن مسؤولية المعلم هي كذلك المساهمة في الوصول إلى هدف تعميم التعليم كسبيل إلى التقدم و التحرير حقيقة . وهذه المسؤولية تقتضي أن لا تكون وضعية المعلم ساقطة. ولهذا فعلى حكومتنا أن تعتني بالمعلم وهي التي تتجاوب مع رغبات الشعب الأخرى، لهذا على الحكومة أن تضع المعلم في المرتبة التي يضعه فيها الشعب. إن البلدان المتقدمة تجعل دائما المعلمين على رأس أسياد الأمة، لأن على المعلمين مسؤولية تنظيم البشرية التي تنقسم في هذا الزمن إلى جزء من الناس يضعون الخطط العلمية و يتحكمون في العالم، و إلى جزء آخر من الناس مازالوا في ظل العبودية يحاربون من أجل التحرر و الانعتاق. إن رسالة رجال التعليم تتعدى المدرسة لتمتد إلى كل المجتمع، إذ أن رجال التعليم بمثابة واحات داخل الصحراء باعتبارهم طائفة نيرة ومتبصرة في مجتمعنا الذي يتطلع إلى التحرر من الجهل، هذا الجهل المؤثر علينا في عدة مرافق من حياتنا ونحن نواجه مهام عهد الاستقلال. لهذا على المعلم أن يفرض مهمته التوجيهية التحريرية وسط الشعب لنخرج جميعا إلى معركة محاربة التخلف ونتخلص من حالة الكسل و الخمول. إن أسرة التعليم تتجاوب مع مشاكل المغرب ومشاغل شعب المغرب، و من أهمها البحث عن الأسلوب الذي يجعل بلادنا تخطو خطوات تابثة. وهذا يتوقف على وضع تصميمات علمية تتفق مع حاجيات البلاد... « انتهى كلام الشهيد المهدي بنبركة .
غياب التواصل مع الأساتذة
يزيد من إحباط رجال و نساء التعليم بالعالم القروي غياب التواصل على مختلف مستوياته خصوصا الإداري المستمر بما يفوت الفرصة على المدرسين في الاطلاع على المستجدات التي يعرفها الحقل التعليمي وحرمانهم من حقوقهم في بعض المجالات ( كالامتحانات – الحركة الانتقالية ....) أو الوصول المتأخر للمذكرات وطابع المزاجية في تنقيطهم أحيانا... عوامل لا شك أن لها انعكاسات على أداء و مرودية المدرسين وبالمقابل نجد الإدارة هي الأخرى في غفلة عما يقع بالمؤسسات التابعة لها ( غياب الأساتذة – ضياع التجهيزات – تدبدب علاقة الأسر بالمؤسسة و هذه الأخيرة بالفاعلين...) مما يجعل المسؤولية مشتركة بين جميع المكونات المتداخلة في العملية التربوية والتي من شأنها أن تؤدي إلى نتائج سلبية على حياة التلاميذ التعليمية بالعالم القروي و الذي يحتاج منا الكثير من تضافر الجهود إن أردنا بالفعل إنصاف العاملين و المتعلمين على حد سواء في العالم القروي عملا بمبدأ المساواة و الديمقراطية في تلقي العلم و المعرفة من جهة و أداء الواجب من جهة ثانية .
إن المتتبع لمنظومتنا التربوية يجدها مكدسة بالنصوص والتنظيمات العصرية ,وعندما يخرج إلى بعض المناطق النائية يصدم بالواقع المر فيتألم ويتأسف ويتعجب لتعليم تقليدي وطرق بيداغوجية متقادمة لا صلة لها بالشعارات المرفوعة اليوم “ الجودة – مدرسة النجاح – الانفتاح ... ) , فالواقع قد يكون افظع مما يتصوره البعض منا مما أدى و يؤدي إلى العزوف عن الدراسة والنفور والهروب من جحيم المدرسة القروية وظاهرة التكرار والتسرب الدراسي والهذر المدرسي وبالتالي عدم تكيف المدرسين والتلاميذ مع ظروف غير ملائمة لتلقين وتلقي العلم و المعرفة الحال الذي ينتج عنه تناسل الجهل وتفشي الأمية
أحمد مسيلي / عبدالكريم الوازي
11/3/2010