عندما تغيب التربية منذ الصغر
في قرية ريفية صغيرة عاش صبي يتيم مع جدته، بعد أن توفي عنه والداه. فاحتضنته جدته الثرية، فتولت رعايته، بعد أن أحبته حباً عظيماً. إلا أن حبها لحفيدها جعلها تتغاضى عن تصرفاته غير السليمة. فكانت تبذل قصارى جهدها لارضائه، وتحقيق كل مطالبه، والتغاضي عن كل هفواته.بلغ الصبي سن السادسة، فأرسلته الجدة الى مدرسة القرية. كان بلا تربية ولا أدب، وتصرفاته غاية في التهور، مما جعله مكروها في المدرسة. ومما اضطر ادارة المدرسة الى التعبير لجدته عن قلقهم لسوء سلوك حفيدها. لكن الجدة الحنون لم تلق بالاً لهم ولم تعرهم انتباهاً، بل انها ذهبت الى المدرسة ذات مرة وعنفت المدرسين لاختلاقهم العيوب لحفيدها.
وهكذا، حظي الحفيد المدلل بحماية جدته، فازداد سوءاً على سوء، وذات يوم سرق قلم حبر ثميناً من أحد زملائه، وغادر المدرسة على الفور قاصداً جدته.
ما إن وصل البيت حتى تلقته الجدة بلهفة وحنان، الا انه بادرها بقوله: يا جدتي لقد حاولت أن أخبرك بما فعلت اليوم، ولكن لم تعطني الفرصة لذلك، لقد أعجبني قلم فسرقته من جيب أحد زملائي، الا ان الجدة وكالعادة ضمته الى صدرها، مسبغة عليه حمايتها وحنانها، ممتنعة عن تعنيفه وعقابه. وتشجع الولد، فهو لم يلاق التأنيب والتأديب المناسبين على اخطائه، فزادت سرقاته من كتب واقلام زملائه.
بعد ان تمادى الولد في سرقاته، قامت ادارة المدرسة بطرده، وتحول الولد المدلل، وبعد مرور السنين، الى لص محترف، ثم انتسب الى عصابة تقوم بارتكاب الجرائم والسطو على الآمنين. وأصبحت القرية الآمنة ضحية لعصابة هذا الشقي، مما اضطر القرويين الى القبض عليه وتقديمه الى القضاء.
عُقدت جلسة عاجلة للنظر في امره، وقد حاولت جدته الثرية بكل ما في وسعها إطلاق سراحه، لكن دون جدوى، فصدر الحكم على حفيدها الشرير بالسجن لعشر سنوات مع الأعمال الشاقة، بعد ان اعترف بضلوعه في أكثر من اربعين سرقة.
وفي طريقه مقيداً الى السجن، التمس طلباً بالحديث مع جدته على انفراد، فأتته الجدة متلهفة لسماع ما سيقوله، وما ان اقتربت منه حتى انقلب الحفيد الى وحش كاسر، فراح يسبها ويلعنها، قائلا لها: لو قمت، ومنذ صغري، بتأديبي وتأنيبي على تهوري، ولو عاقبتني على اول سرقة لي، لما أصبحت اليوم مجرما، فأنا اليوم مجرم نتاج تربيتك الفاسدة».
رواية طريفة للفيلسوف الهندي برمهنسا يوغانندا، ولها مغزى لا يمكن اغفاله، فانظروا كيف تؤدي التربية الفاسدة، والدلع المبالغ فيه، الى تخريب شخصية الطفل. وانظروا كيف يؤدي التغاضي عن الهفوات الصغيرة الى ارتكاب الجرائم الكبيرة. ما انطبق على هذا الطفل الشقي ينطبق على الشعوب والأمم، فكلما تراخى القانون زادت الجرائم، وكلما غابت التربية عند الصغر، في البيوت والمدارس، زاد التسيب وتفسخت الأخلاق واندثرت القيم.
طلال عبدالكريم العرب