في الحاجة إلى إطار نقابي جديد في التعليم العالي
يعتزم الأساتذة الباحثون تأسيس إطار نقابي جديد، في الأيام القادمة، بعد استكمال المشاورات والاتصالات بين المعنيين بالأمر على المستوى الوطني. وقد تحاشت اللجنة التحضيرية استعمال لفظة «البديل النقابي»، علىاعتبار أن المنظمة المسماة «النقابة الوطنية للتعليم العالي» مجرد جمعية كباقي الجمعيات التي تستند إلى المرسوم المتعلق بحق تأسيس الجمعيات. وقد ركبت القيادة النقابية على الغموض في التوليف بين إطارين مرجعيين مختلفين، إطار قانوني خاص بقانون الجمعيات وتسمية خاصة بالمنظمات النقابية. وقد فطنت القيادة النقابية في الآونة الأخيرة إلى إطارها القانوني وأهدافها الحقيقية وبادرت إلى القيام بالعمل الجمعوي الصرف، بعيدا عن العمل النقابي، عبر عقد مجموعة من الاتفاقيات أقل ما يقال بخصوصها إن القيادة النقابية تسخر من قواعدها وتستهزئ بمورديها وتجهل حقيقة الوضع الاجتماعي للمستظلين بظلالها (خصم 30 % من أصل 500 درهم للفرد الواحد باستثناء أيام العطل، 700 درهم للشخص الواحد في فندق في الجديدة).. وقد اعتبرت القيادة النقابية ذلك «فتحا مبينا» يستحق القيام بجولة وطنية لشرح مضمون الاتفاقيات، وكأن ملفات الأساتذة الباحثين قد تمت تسويتها.
إن أسلوب التعمية الذي تمارسه القيادة النقابية لم يعد مجديا أمام الوضع الاجتماعي المأساوي للأساتذة الباحثين وحالة الانتظارية التي تعيشها بعض الجامعات المغربية، جراء التسيير المزاجي لبعض المسؤولين الجامعيين، وذلك بسبب غياب قيادة نقابية قادرة على الدفاع عن قواعدها بتحقيق مطالب والحفاظ على المكتسبات وفضح كل الممارسات اللامسؤولة المخلة بالدور الحقيقي للجامعة في التثقيف والتطوير والتحديث.
إن منطق الأمور يقتضي من القيادة النقابية القيام بجولة وطنية للتعبير عن عجزها الصريح في الحفاظ على المكتسبات، وبالأحرى، تحقيق مكتسبات إضافية (عدم الإفراج عن ترقيات الأساتذة الباحثين منذ 2006، عدم تسوية الملفات المطلبية التي اعتبرت القيادة النقابية أنها في طور الإنجاز، رغم مرور سنة كاملة على انتخابها، خلق ضحايا جدد بسبب مقاربتها الفئوية (الحيف الذي لحق فئة 1997 وما بعدها) التراجع الخطير للوضعية المادية للأستاذ الجامعي، مقارنة بالزيادات الهامة التي عرفتها بعض القطاعات العمومية، فقدان الأمل في معالجة كثير من الملفات المطلبية بسبب الوهن والضعف الذي أصاب جسم «الإطار الجمعوي النقابي».
وبناء على كل ذلك، فإن التمسك بالمنظمة النقابية الحالية هو تمسك بالوهم وجري وراء السراب، والرهان عليها في استرجاع الحقوق المهضومة (سنوات الأقدمية المنتزعة، احتساب الأقدمية العامة، التسريع بمعالجة الترقيات، النقص في الراتب الشهري لبعض الأساتذة بعد تسوية وضعيتهم الإدارية...) وفي تحقيق مكتسبات إضافية (الزيادة في الأجور، نظام الإطارين...) هو رهان خاسر، واستمرار الوضع القائم نقمة على الجامعة والجامعيين، ومن هنا لا بد من كسر الطوق وتجاوز البعد النفسي الجاثم على صدور البعض، بسبب التمسك ببعض الشعارات الفارغة «كالوحدة النقابية» و«المنظمة العتيدة» و«الممثل الشرعي الوحيد» وغيرها من الشعارات الجوفاء التي عفا عنها الزمن والتي تتنافى واحترام الرأي والرأي الآخر والنهج الديمقراطي المطلوب في منظمة يفترض أنها تعكس النبض الحقيقي لـ«النخبة» و«صفوة الصفوة» داخل المجتمع المغربي.
واستحضارا لهذه الحيثيات، فإن الإقدام على تأسيس إطار جديد «النقابة الوطنية للأساتذة الباحثين» ليس تشويشا لعمل نقابي غير موجود أصلا، أو «مغامرة عير محسوبة العواقب»، كما يروج لذلك البعض، وإنما حتمية تاريخية اقتضاها الواقع البئيس للعمل النقابي داخل الجامعة المغربية.
وسيراهن الإطار النقابي الجديد على مجموعة من المعطيات الموضوعية ومنها على الخصوص:
أولا: إن الرصيد النضالي الذي راكمه الأساتذة الباحثون بعيدا عن جمعية النقابة الوطنية للتعليم العالي هو الضمان الأساسي لبعث الأمل في المستقبل وتصحيح الممارسة النقابية السائدة. وليس أمام القاعدة النقابية إلا استثمار ذلك الرصيد المشترك لتأسيس نقابة وطنية للأساتذة الباحثين قادرة على التحرك بدون قيود وإملاءات وتأثيرات خارجية، نقابة قوية لكل الجامعيين، منتخبة بطريقة شفافة ونزيهة، منفتحة على جميع المكونات والحساسيات، عمودها الأساس الكفاءة النقابية وسنامها المصداقية والإخلاص في الأعمال والنيات والجرأة في اتخاذ القرارات.
ثانيا: محاولة بعث الروح في العمل النقابي داخل الجامعة المغربية، عبر تأسيس إطار نقابي جديد يأخذ بعين الاعتبار الإرث النضالي للقواعد النقابية ويضع العمل النقابي الجاد في مساره الصحيح، في أفق إعادة الاعتبار إلى المكانة المادية والمعنوية للأساتذة الجامعيين وإلى الدور الريادي للجامعة في التنمية الشاملة للبلاد.
ثالثا: العمل على تأسيس إطار نقابي جديد قادر على حماية الجامعة والجامعيين من كل أشكال العبث والمزاجية التي تؤثر سلبا على واقع المنظومة التربوية والبحث العلمي في بلادنا (أول جامعة مغربية تأتي في المرتبة 4035 في الترتيب الدولي) بفعل تعطيل أجهزة اتخاذ القرار داخل الهياكل الجامعية وغياب استراتيجية واضحة لتطوير الفضاء الجامعي تربويا وعلميا.
الدكتور محمد القاسمي - أستاذ التعليم العالي في كلية الآداب سايس فاس، عضو اللجنة التحضيرية