حوار مع الدكتور عبد الإله حسنين الكاتب العام لحركة الطفولة الشعبية
الموضوع قنبلة موقوتة ستعلن نهاية مقاربة سياسوية وانطلاق مشروع حداثي يحفظ للطفولة والشباب فضاءاتهممحاورة الأستاذ عبدالاله حسنين له أكثر من دلالة باعتباره أولا، كاتبا عاما لحركة الطفولة الشعبية التي يزيد عمرها اليوم عن 50 سنة، ولها أكثر من خمسين فرعا بمختلف مدن المملكة، والتي اشتغلت على برامج مندمجة متعددة منذ الاستقلال السياسي لبلدنا ومنها المساهمة في مشروع طريق الوحدة، وبناء دور اقتصادية، وتنظيم مخيمات المراهقين، وتشييد مركبات ترفيهية وتنشيطية وتخييمية، إلى غير ذلك من المشاريع التربوية والفكرية، وثانيا، كونه مهتم بشؤون وقضايا الطفولة والشباب والتربية والتنشيط والترفيه.
نستضيفه بالملحق التربوي للحديث حول الظرفية التي يعرفها قطاع الطفولة والشباب اليوم والنقاش العام المرتبط بالمرافق التربوية والفضاءات الترفيهية الذي تلعب فيه حركة الطفولة الشعبية دورا مهما.
أعلنت الأمم المتحدة سنة 2010 سنة للشباب، فماذا يعني ذلك لجمعيات المجتمع المدني المهتمة بالطفولة والشباب؟
يجب علينا في بداية هذا اللقاء أن نؤكد على أن التربية هي من أهم الرهانات التي يعرفها مجتمع اليوم، لأن التربية يجب أن تهيئ الأطفال والشباب للانخراط في مجتمع المستقبل وليس في مجتمع الماضي، ومن خلال هذه المقاربة لا يمكن للمنظومة التعليمية وحدها أن تحتكر التربية لأن وقت الأطفال والشباب ليس فقط وقتا للتعلم، ولأن المدرسة لم تعد الفضاء الوحيد بامتياز لتوزيع المعارف، لذلك لابد، ونحن في مجتمع يتحرك ويتغير يوميا، من تطوير مقاربة مستمرة ومتجددة للتربية تعتمد على المجتمع في شموليته وبمجموع مكوناته، يجب تطوير التنشيط والترفيه، والتكوين المستمر واكتساب المعارف مدى الحياة، وهذا لا يقصي المؤسسة التعليمية بل يفرض على المقررين السياسيين الحاليين وعلى نساء ورجال التعليم إعادة توصيف وتعريف وظائف المدرسة وتحديد مهامها حتى تكون بالفعل الفضاء الأول بامتياز لتوزيع المعينات الضرورية للأطفال لامتلاك العالم من حولهم.
وعندما أعلن المنتظم الدولي سنة 2010 سنة للشباب فلكي يتم التأكيد على الدور الحيوي الذي يلعبه الشباب في بناء أي مجتمع من المجتمعات، وفي حالة بلدنا المغرب، بلورة تصورات واضحة لمستقبل شبابه الذي لابد أن يكون مختلفا عن ما هو عليه في الماضي، ولابد أن يكون أفضل مما هو عليه اليوم. إن الشباب المغربي هم الاستثمار الأفضل لأي مجتمع في طريقه إلى النمو والتطور. وأعتقد أن جمعيات ومكونات المجتمع المدني المغربي تعترف اليوم بالدور الحيوي الذي يلعبه الأطفال والشباب، وهذا يعني الشئ الكثير بالنسبة إلينا كمكون فاعل وإيجابي وأساسي في الشبكة الجمعوية الوطنية التربوية للمجتمع المغربي.
ما هي وضعية قطاع الشباب والطفولة بالمغرب، وما هو واقع المرافق المخصصة لأنشطتهم على المستوى الكمي والكيفي، وكيف تتصورون اليوم إمكانية تطويرها؟
لابد لنا من الاعتراف بأن قطاع الطفولة والشباب بالمغرب هو آخر قطاع يتم التفكير فيه من طرف الفاعلين السياسيين ومن طرف المسؤولين عن التسيير الجماعي الترابي الذي له علاقة مباشرة بأنشطة الطفولة والشباب. بطبيعة الحال بدرجات متفاوتة، إلا أن هذا هو الواقع وهو القاعدة العامة بالنسبة للجميع كيفما كانت انتماءاتهم الجمعوية والسياسية، وهذا ليس عيبا، بل هو نتيجة تكوين وتربية أصلية، ففاقد الشئ لا يعطيه. إلا أن هذا لا يمنع من تشخيص وضعية المرافق المخصصة للأطفال والشباب سواء على المستوى الكمي والكيفي، وهي وضعية تبعث على القلق لأنها جد متأخرة مقارنة مع جيراننا ومع الدول التي ترغب في النمو والتقدم بدرجات متقدمة. وعندما نتكلم عن تطوير البنيات التحتية المرتبطة بقطاعات الطفولة والشباب فلأن ذلك سيعود عليهم وعلى المجتمع بالنفع والفائدة وبالتعود على التردد على مثل هذه المرافق والاهتمام بالعناية بها، سواء كانت هذه الفضاءات متعلقة بالثقافة أو بالتنشيط التربوي أو بالترفيه والعطلة.
إن الأطفال هم الذين يشكلون السواد الأعظم من أبناء وطننا، إنهم يشكلون الأغلبية على صعيد المدن والقرى، وهكذا تمثل فئة الأطفال الذين لا يتجاوز سنهم الخامسة عشرة خمسي عدد السكان الإجمالي، ويقع على عاتق هذه الفئة ضمان استمرارية وتجديد المجتمع المغربي، كما يجعل منها سنها أي الخامسة عشرة شريحة سكانية حساسة ومعرضة للكثير من المخاطر، وهي شريحة متكفل بها في غالب الأحيان بحكم عدم دخولها في الفئة النشيطة بتعبير الاقتصاديين. لذلك وبغض النظر عن المشاكل الاجتماعية التي يتخبط فيها أغلب هؤلاء الأطفال وعائلاتهم يجب الاعتراف بأن لهم حاجيات وحقوق سواء على الصعيد المحلي والوسط العائلي أو على الصعيد الوطني، حاجيات تتزايد وتكبر يوما عن يوم. إنهم في حاجة إلى التثقيف والترفيه والبيئة السليمة، إنهم في حاجة إلى الحدائق للعب وإلى المركبات للرياضة وإلى مؤسسات دور الشباب للأنشطة وإلى الفضاءات التربوية والتخييمية للاستجمام والعطلة.
وفي هذا الصدد سبق أن نادينا بل عبأنا الجمعيات الوطنية والمحلية التي تشتغل كليا في ميادين التربية والتنشيط والترفيه والعطلة والتخييم على ضرورة الدفاع عن مأسسة هذا القطاع بدسترته وخلق إطار أو هيئة دستورية تعنى بشؤون الطفولة والشباب وتعمل على بلورة السياسات العمومية في هذا المجال الشئ الذي يضمن استمرارية المرفق العمومي واستمرارية الخدمة العمومية التي تقدمها إلزاميا الدولة لفائدة أطفالها وشبابها الذين يعتبرون الاستثمار الأفضل بالنسبة لمستقبل الوطن الذي كما قال الأخ محمد المذكوري مؤخرا نحن كلنا شركاء في الانتماء إليه والدفاع عنه وكما نقول داخل حركة الطفولة الشعبية هوى الوطن يجري في عروقنا لذلك فهو فوق كل نزوة أو هوى.
أعلن وزير الشباب والرياضة عن عزم الوزارة بيع بعض مرافق الطفولة والشباب بالمغرب بدعوى تطوير القطاع، فما رأيكم في هذا التوجه ؟
لقد عرفت حركتنا عند انطلاقتها تنظيم دورات تكوينية تهتم مباشرة بالعمل في الساحات العمومية والشوارع والمجالات المختلفة، وأضافت تلك الدورات تقنيات استقطاب الأطفال والشباب للأنشطة وتعويد المستفيدين على الانضباط في برامجها والانخراط الواعي فيها، ومن ثمة لم تكن حركتنا، على الرغم من مطالبتها باستمرار بالرفع من عدد دور الشباب والثقافة والخزانات العمومية ومراكز الاستقبال والمخيمات، تعتبر أن مقومات العمل التربوي يجب أن تنضبط فقط في هذه الفضاءات بل سعت إلى فتح أندية خاصة بها والعمل في المستشفيات العمومية والبحث عن الإمكانيات المالية والمادية، والعمل على بلورة انسجام تربوي بين المدرسة العمومية من جهة والعمل التربوي التنشيطي من جهة أخرى، كما عملت حركتنا على الخروج من تكدس دور الشباب الموجودة، والتي لا يمكنها في الظروف التي عرفتها أن تفي بالحاجة المطلوبة، إلى فضاءات عمومية يتم تأثيثها بالخصوص لهذا العمل التربوي ولو مؤقتا، وهذا دليل مبدئي عن عدم موافقتنا على مثل هذه السلوكات.
كما أن المركز النموذجي الذي ناضلت الحركة من أجله وعملت على تأسيسه على مقبرة قديمة بسيدي مخلوف بالرباط برهان على تطوير روح الرواد الذين أسسوا نادي المنصور بالرباط على مركز تجميع آليات نقل النفايات! لقد انطلق مشروع مركز سيدي مخلوف منذ سنة 1975 ولم يتسنى للحركة حيازته إلا بعد ثلاثة عقود، واضطرت إلى تعبئة طاقات فنية وفكرية وبشرية ضخمة لبلورة مشروع مركز نموذجي للترفيه وللتنشيط السوسيوثقافي للأطفال والشباب ومفتوح على الحي الشعبي بالملاح، وتمكنت من ذلك بعد جهد جهيد. وفي هذا المقام نستحضر روح وفكر أخينا العربي رودياس ونترحم عليه، والذي لم يأل جهدا طيلة حياته لإخراج هذا المشروع إلى الواقع، وأن نحيي بهذه الناسبة وبحرارة الجهود الكبرى والتفاني الذي بدله الأخ المناضل عبد الوافي بنبركة لهذا العمل التاريخي. وحيث انطلقت أعمال البناء انطلق مجهود جبار موازي لتحقيق شراكات متعددة لهذا المركز: المجلس البلدي، وكالة التنمية الاجتماعية، وزارة الثقافة، التعاون البلجيكي، ليونس كلوب، بالإضافة إلى تبرعات شخصية عينية ونقدية لأصدقاء الحركة وقدمائها ومحبيها والمدعمين لمشروعها المجتمعي. وبالرغم من كل هذا المجهود فالمركز قد استطاع الظهور على أرض المقبرة ونوعية الفضاء استقطبت العديد من المسؤولين والباحثين عن إبداع لمراكز متخصصة، وهذا دليل آخر عن عدم موافقتنا وانخراطنا في المشروع السياسي والاقتصادي للسيد منصف بلخياط كوزير للشباب والرياضة في عمليات البيع والشراء في مراكز اجتماعية وتنشيطية وترفيهية هي من صميم الممتلكات العامة.
هل الائتلاف الجمعوي المكون من أجل التصدي لفكرة البيع قادر على مواصلة جهوده، لتمتد إلى إقرار برنامج وطني يخرج قطاع الشباب من الجمود ويحصنه من الانحرافات والتطرف؟
إن الائتلاف الجمعوي هو تجمع وتنسيق بين عدد من المكونات التي يمكن أن تكون اتحاد المنظمات التربوية المغربية أو الهيئة االوطنية للتخييم أو اتحاد الأوراش أو جمعيات الكشافة أوهيئات الحقوقيين والمحامين... باختصار إنهم المكونات الواعية والصاغية للمجتمع المغربي الذين يشتغلون على تنمية المجتمع وتطوير البنيات التحتية والفضاءات التربوية والترفيهية والتنشيطية للأطفال والشباب. وبالمناسبة لقد وقعت حركة الطفولة الشعبية على اتفاقية شراكة حول مخيم عين خرزوزة يوم 13 غشت 2005 حيث قام السيد محمد الكحص كاتب الدولة المكلف بالشباب بزيارة مخيم عين خرزوزة قصد الوقوف على ما أنجزته الحركة وكذا تسليم وثيقة التخصيص التي كانت نتاج أوراش شبابنا منذ سنة 1988. وقبل التوقيع أكدنا من خلال تصريح السيد الرئيس الطيبي بنعمر، على أن موقفنا هنا لا يجب أن يعتبر تهربا من مسؤولياتنا في الفضاءات التقليدية: دور الشباب والمخيمات بل علينا الاستمرار في نفس النهج التربوي الذي مارسناه باقتناع ووعي، وهو الحفاظ على موقعنا والمساهمة في تدبير الفضاء بشرط أن لا تتخلى الدولة عن دورها فيه، وأن تستقيل من كل مهام تدبيره وتمويله، وإشراك أصحاب الحق الطبيعيين في التدبير اليومي والمسائلة الناتجة عنه. ومن جهة أخرى فان الاستمرار في فتح فضاءات تربوية أخرى يجب أن يرقى إلى مستوى العمل الهادف أي إيجاد بديل للتكدس من جهة واستقطاب فئات محرومة من التنشيط التربوي الهادف من جهة أخرى، وبتعبير أكثر وضوحا يجب ألا يشكل هدفا في حد ذاته.
إن بتحويل كل الفضاءات الممكنة إلى مجالات للترفيه وللتنشيط التربوي عوض بيعها وإشراك العاملين على ذلك ستتضاعف فرص العمل التربوي الهادف، وتتمكن الفعاليات من تطوير قدراتها وطاقاتها، ونكون قد مارسنا دورنا التربوي بتوسع كبير. لاسيما وأنه في هذا الباب يمكن ملاحظة أن المؤسسات التعليمية تغلق أبوابها لأكثر من 150 يوما في السنة كان من الممكن أن تكون أياما للتنشيط والترفيه والتكوين في هذا المجال. إن معركتنا بالنسبة للفضاءات معركة تأهيل بجانب معركة الإنشاء والتأسيس، أي تنمية الفضاءات الموجودة من أجل استعمال واستقطاب وعيش أفضل، ولن يكون مطلبنا بتأهيل الفضاءات عائقا عن العمل ولو في ظروف غير صالحة وناقصة. حيث انه يجب علينا، وجريا على تقاليد ممارستنا التربوية الشفافة محاربة الفضاءات غير اللائقة بالامتناع عن برمجتها والدفع إلى ذلك من مواقعنا، وكذا طرح أزمتها في المنتديات من أجل تأهيلها أو العمل على تأهيلها. كما أنه يجب علينا صياغة واعتماد لوائح داخلية وقوانين تنظيمية لتدبير مختلف الفضاءات بروح جدية وشفافة ومسؤولة بعيدا عن كل ممارسات غير منهجية ومدققة.
وفي الختام أود أن أشكركم على اهتمامكم بهذا الموضوع الذي يمكن اعتباره اليوم بمثابة القنبلة الموقوتة التي ستعلن نهاية مقاربة سياسوية وانطلاق مشروع حداثي يحفظ للطفولة والشباب فضاءاتها ويضمن لها الاستمرارية والتنوع والمرافقة والتحديث والتكوين في مجالات التربية والعمل الاجتماعي والتنشيط الثقافي والترفيه، لا لشئ إلا لأن هؤلاء الذين يدافعون عن هذه المقاربة لا يفهمون ما يسمعون أو لا يسمعون ما يجب فهمه، كما نشكر السيد الوزير منصف بلخياط لأنه فتح نقاشا عموميا حول موضوع مهم وخلق دينامية أساسية لبعث السياسة من جديد وبسرعة أكثر وبإمكانيات أوفر وتحت مسؤولية الحكومة والسلطة التشريعية في مجالات حيوية بمجتمعنا مرتبطة بتربية وتنشيط وتثقيف أطفالنا وشبابنا وبتنمية الفئات المستضعفة من مجتمعنا
3/18/2010