القيادة
الناجحة تمر عبر الأخلاق الفاضلة
الإدارة علم وفن وأخلاق ، وقد يبرز الجانب
الأخلاقي فيصبح كأنه جانب فطري جِبلي في الإدارة بلا تكلف ، وان لم يكتسب
صاحبه الجانب العلمي . ونحن لانقلل من الجانب الإداري العلمي المكتسب فإنه
علم راقٍ قائم بذاته ؛ لذا نجد أن رواد الإدارة أمثال فردريك تايلور كانوا
مهندسين ولم يدرسوا الإدارة ، فتمتعهم بالجانب الخلقي والإنساني مكنهم من
تأسيس قيم إدارية تحتذى .
إن الأخلاق والتواضع والمراعاة للجانب
الإنساني سر عظيم في النجاح يغفل عنه كثير من مسؤولينا في مؤسساتنا
التربوية ، ومن بين أولئك من يحاول أن يتظاهر بهذا الجانب تكلفا ليخفي من
ورائه أمراضا وتشوهات نفسية عميقة تظهر في تصرفاته حيث يُظهر التعالي وتفحش
الأنا واضحا بلا غطاء يستره ,هذه هي فلسفته في الإدارة؛ السيطرة ، والتحكم
، والتفرد ، والتجهّم في وجوه من لايرغب بسبب وضوحهم وعدم نفاق في أرائهم،
لذا فهذا المسؤول يرى بأن الخالق – سبحانه وتعالى - قد اختصه وحده بدقة
الفهم وصواب الرأي وسداد التصرف!!! وبالتالي فلا حاجة - حسب رأيه - إلى
عقول الآخرين، ولا إلى خبراتهم ولا إلى تجاربهم؛ لأن كل ما سيأتي من غيره –
في وجهة نظره - ليس سوى هذيان أو ثرثرة لا معنى لها، فعظمة (الأنا)
المتضخمة لديه جعلته يختصر المؤسسة التربوية(المديرية) التي يتربع على
عرشها في شخصه العبقري الملهم!!!! .
وتتعاظم الأنا حيث تبدأ بالظهور في فلتات
لسان ذلك المسؤول وضحكاته الهستيرية وعند طرح اقتراحاته النيرة !! ولا أود
الإطالة عليكم في هذه العجالة فهذا غيض من فيض ، فمن خلال خبرتي البسيطة
فإني أبرز عيوب بعض مديري العموم (طبعا هناك بعض الايجابيات ولكن لست ممن يضخمها
فهناك المختصين في هذا الفن فهي تعاد وتكرر مرارا وتكرارا ) ، الذين مروا خلال فترة عملي في التدريس ثم في
الوظيفة وهي قرابة ثمانية عشر عاما وهم مجموعة كبيرة من المديرين العامين
في المديرية فترات متفاوتة :
أولا: المركزية وإن تظاهر في بعض الأحيان
بأنه يأخذ بالرأي الآخر.
ثانيا : الأحادية بالرأي (لااعملوا هكذا) 0
ثالثا: التحدث من برج عاجي ليخفي وراء ذلك
الجهل المتوطن في نفسيته المريضة والتي تحتاج إلي طبيب نفساني حاذق لحالته
المستعصية0
رابعا: تطبيق قاعدة فرق تسد ومن دقته
المتناهية أن يأتي بالأعوان المتخصصين الذين لهم جهود مشهودة في هذا المجال
؛ فيبذل الجهود من أجل أن ينقلهم أوينتدبهم حتى ولو من خارج المديرية
لتنفيذ هذه السياسة الإدارية الراقية!!!!!!! ( وهو لايعلم أنه يأتي بهؤلاء
كالدبة التي قتلت صاحبها كما ورد في المثل) 0
خامسا : إعطاء المناصب لغير الأكفاء(وإن كانت الوزارة بدأت تدقق في الفترة الأخيرة في ترشيحات
المديرين العامين وهي تشكر على ذلك)0
سادسا: النظر إلي الموظفين في الوظائف الأقل
نظرة دونية .
سابعا : شدة الحسد للذين يتميزون عنه علميا
فيضع العقبات أمام اقتراحاتهم لأنه يطبق معهم قاعدة فرعون : ماأريكم إلا
ماأرى .
ثامنا: : عدم الوفاء بالعهود وسرعة التنصل
منها عند مواجهته فكيف يكون هؤلاء قدوات للموظفين !!!.
وقبل أن أختم مقالتي هذه، أودّ أن أتوجه
ناصحاً حباً وإخلاصاً إلى أولئك المديرين وكل مسؤول في هذا المنتدى بالقوْل: إن مصادر التأثير في الآخرين، وتوجيه سلوكهم وفق رغباتكم
أيها المسؤولون ، أو دفعهم على فعل ما تريدون لا ينبثق من السلطة النظامية
والتعالي بها على الآخرين التي منحها لكم المركز الوظيفي فقط؛ فهناك مصادر
أخرى كالأخلاق الحسنة النابعة من الفطرة الطيبة والنفسية المتواضعة
والتماس الأعذار وإقالة العثرات,وقوة المعرفة كذلك بدلا من التشدق بكلمات
متكررة فامتلاك أسس المعرفة البسيطة أمر أساسي لامناص منه وبخاصة في عالم
انفجار المعرفة وأنتم القادة التربويين تؤثرون في شرائح كثيرة في المجتمع
المدني .
فيجب أن يحرص المسؤول على الاطلاع المستمر
على جديد المعرفة وفنون العلم وهذا يؤدي إلى زيادة إعجاب الموظفين به
وزيادة الإنتاج قطعا خاصة في مجالنا التربوي , و تزداد الثقة كذلك
بالالتزام الأخلاقي والتواضع الذي يعلي من منزلة المسؤول في نفوس الموظفين
لما يمثله لهم من قدوة حسنة (خاصة وأغلبية الموظفين على انضباط وخلق طيب)،
بل إن هناك ما هو أعظم وأهم تأثيراً من كل تلك المصادر من وجهة نظري
الشخصية، وهو ما أرشدنا إليه مَنْ عَلَّم الإنسان ما لم يعلم عندما وَجَّهَ
قائد هذه الأمة عليه أفضل الصلاة وأزكى السلام إلى كيفية التعامل مع
أصحابه فقال له: (فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللّهِ لِنتَ
لَهُمْ وَلَوْ كُنتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنفَضُّواْ مِنْ حَوْلِكَ
فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ فَإِذَا
عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللّهِ إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ
الْمُتَوَكِّلِينَ). [آل عمران: 159]، وخاطبه في موضع آخر بقوْله: (خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ
الْجَاهِلِينَ). [الأعراف: 199]، قُل صدق الله، ومَنْ أصدق مِنَ
الله قِيلاً. أرجو إعادة تلاوة الآية الأولى بتؤدة وتدبر.